بعد نحو ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، كانت سهيلة سوخانفاري في عيادة مدرستها الجديدة في المملكة المتحدة تعاني من اضطراب في المعدة، بينما كانت أخبار المحتجّين في إيران تتوالى على شاشة تلفزيون قديم في الغرفة المجاورة، وسط موسيقى تنطلق من قاعة تدريب الرقص في المدرسة ذاتها.
تستعيد الفنانة الإيرانية البريطانية (1964)، ذكريات الصورة مرّة أُخرى بعد ثلاثة وأربعين عاماً، وبعد أن أصبحت الاحتجاجات الشعبية في إيران موضوع نشرات الأخبار العاجلة، حيث قُتل أكثر من مئة وثلاثين مُتظاهراً ومُتظاهرةً عقب مقتل الشابّة مهسا أميني التي لم تتجاوز الثانية والعشرين.
الموسيقى مرّة ثانية تنطلق في معرض سوخانفاري الجديد الذي افتُتح في غاليري "مركز باربيكان" بلندن في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي تحت عنوان "تمرُّد.. تمرُّد"، ويتواصل حتى السادس والعشرين من الشهر المُقبل.
تحتفي الفنانة بعددٍ من المُبدعات الإيرانيات في مجالات فنية متنوّعة قبل الثورة عام 1979، من خلال سلسلة رسومات مكوّنة من ثمانٍ وعشرين مُنمنمة فارسية، لعددٍ من الشاعرات والمُمثّلات والكاتبات والمغنّيات اللواتي تمّ اعتقالُهن أو نَفيُهن أو حُكِم عليهن بالإعدام، أو أُجبرن على التخلّي عن حياتهنّ المهنية وممتلكاتهنّ بعد الإطاحة بنظام الشاه.
تركّز سوخانفاري في أعمالها على قَصّات الشعر والملابس التي كُانت ترتديها هذه الشخصيات خلال السبعينيات، وهي تُناقِض تماماً صورة المرأة الإيرانية اليوم. ومن هؤلاء كوكوش (اسمها الحقيقي فائقة آتشین)، التي أصدرت أكثر من مئتي أغنية خلال الستينيات والسبعينيات، وقد تأثّر الكثير منها بموسيقى البوب والفانك والسول، وتَظهر المغنّية الإيرانية بقَصة شَعر قصيرة وجريئة وتنّورة قصيرة، ومثّلت نموذج المرأة العَصرية والمستقلّة، حتى قامتِ الثورة فسُجِنت لفترة قصيرة، قبل أن يُطلق سراحُها بشرط ألّا تعود للغناء في الأماكن العامة.
كما تحضر الشاعرة فروغ فرخزاد (1934 - 1967)، التي وعلى الرغم من كونها واحدةً من أعظم كُتّاب إيران الحداثيين، إلا أنها عانت من الرقابة على المحتوى الإيروتيكي الموجود في شعرها، والتي لا تزال سارية (أي الرقابة)، على الكثير منه حتى يومنا هذا.
إلى جانب المغنّية راميش (1946 - 2020)، التي ترسمها سوخانفاري جالسة على أريكة مرتدية ثوباً قصيراً بشكل مقلوب وساقيها إلى أعلى، وكانت راميش قد اضطرت لمغادرة البلاد بعد الثورة للإقامة في أوروبا، وتأتي استعادة هذه النماذج في الوقت الذي تتعرض فيه حقوق وأجساد وحياة النساء الإيرانيات للتهديد المباشر والتصفية.