تستمرُّ فعاليات "شارع الرُّميثة الثقافي" التي انطلقت في الثامن عشر من آذار/ مارس الماضي 2022 في مدينة الرُّميثة (محافظة المثنّى، جنوبي العراق) بواقع يوم في الأسبوع. وفي الثاني والعشرين من الشهر الجاري بدأت سلسلة أمسيات شعرية ودورة للفنون الجميلة في الرَّسم والخطِّ والتَّشكيل، إضافة إلى فعالية "نصوص على الجدران" التي تشهد كتابة نصوص لشعراء شباب على الورق وعرضها على الجدران لتشكِّل فضاءً شعريّاً مفتوحاً.
تأتي فكرة "الشارع" الذي تُقام عروضه في الهواء الطلق وبالقرب من باب السراي وسط المدينة التي يبلغ عدد سكانها (120 ألف نسمة) نتيجة لسياسات الإهمال المتَّبعة تجاه الواقع الثقافي من قبل أصحاب القرار، حيث تنعدم البُنى التي تُساهم في تفعيل النشاط الفني وتهيئة المناخ المعرفي في المدن التي تبدو شبه بعيدةٍ ومنسيَّةٍ عن مركز القرار الثقافي الذي يتركّز في بغداد وبضع مدنٍ أُخرى في العراق.
يشهد الشارع في دوراته الأسبوعيّة - المؤمَّل أن تستمر على مدار العام - معارضَ للكتب واللوحات التشكيليّة ونشاطات إبداعية مختلفة. وتُقام المعارض الفنية الشخصية والجلسات الأدبية والحوارية والوقفات الشعرية والعروض المسرحية، لتمثِّل خروجاً عن مألوف الحَيِّز المكاني الذي يحتضن عادةً مثل هذه الفعاليات في المُدن التي تتوافر فيها مستلزمات إقامتها.
انتشرت فكرة الشوارع الثقافية في العديد من محافظات العراق
كذلك يأتي هذا النَّشاط القائم على مبادرات الأفراد "ردّاً مزعجاً على محاولات المحو" بحسب المؤسِّسين الشباب من كتّابٍ وفنّانين وموسيقيِّين، حيث يغيب الدعم الحكومي والمؤسساتي وينعدم وجود الأبنية التي تحوي هذه النشاطات، ممّا يعدّه القائمون على "شارع الرُّميثة الثقافي" سياسة مقصودة من قبل الجهات الرسمية لتغييبهم عن الشأن الثقافي الذي يُعدّ الحَيّز الوجودي لهذه الفئة.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد" عن فكرة المشروع وأسباب وجوده، يقول الشاعر والمسرحي وسام الموسوي: "انطلقت الفكرة لرصد كل الأشياء التي تحفِّز على القراءة والإبداع ومن أجل كسر الجمود الذي تفرضه السياسة على المعرفة. هو ردّة فاعلة وستبقى فاعليَّتها كلَّما أهملت الحكومات الجانب الثَّقافي وتغافلت عنه"، فالأزمات السياسية المستمرّة وسوء إدارة البلد أثَّرتا كثيراً في هذا الجانب، حيث تبدو هذه الجهود الفرديّة بمثابة احتجاج على الإهمال المتكرّر. هذا ويشارك الموسوي في تأليف وإخراج عرضٍ مسرحيٍ بعنوان "انتماء" من المقرّر عرضه في الفترة القادمة، ضمن سلسلة عروضٍ مسرحية مستمرّة.
أمّا رئيس اللجنة المنظّمة للشّارع الثقافي، المخرج المسرحي فالح عبد المهدي، فيقول لـ "العربي الجديد": "إنّ فكرة الشارع الثقافي جاءت رداً على ما تقوم به الحكومات المتعاقبة من نسفٍ وجهلٍ وتجهيلٍ ضدّ الفن والفنون، ومحاولة استدامة هذه التظاهرة مستمرة رغم العقبات، إذ إنَّنا وحدنا في المواجهة"، حيث تشهد المشاريع الثقافية القائمة على المجهود الفردي الكثير من المعوِّقات، وأبرزها انعدام الدعم وغياب البيئة المناسبة، ما يُلجئها إلى الأماكن المفتوحة مثل الشوارع.
يُشار إلى أن شارع الرُّميثة الثَّقافي هو من جملةِ شوارع (ثقافيّةٍ وأرصفةٍ معرفيّةٍ) انتشرت في العديد من محافظات العراق لذات الأسباب.