تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب.
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادة على غزّة ولبنان؟
- أعتقد أنّ ما يحصل في غزّة ولبنان، منذ أكثر من سنة وحتّى الآن، أعاد تشكيل فهمنا للعالم، وما نعنيه حقاً فيه. هذه الإبادة عبء كبير علينا، لم أظن يوماً أننا قادرون على احتماله. نشاهد ما يحصل على شاشاتنا، ونعيش فصول هذه الحرب، بينما يشعر كل واحد فينا بعجزه التام أمامها. وهي بعد انتهائها، ستخلّف حتماً حزناً وهماً في قلوبنا، علينا أن نتعامل معهما لوقت طويل، بل سيبقى هذا الحزن فينا وسنحمله على وجوهنا، حتى رحيلنا عن هذا العالم ربما. لكن وسط كلّ هذا الظلام، أنا أؤمن بأنّ كلّ هذه الوحشيّة الصهيونيّة لن تصل أبداً إلى مآربها، ولن تبعدنا عن أرضنا، فلسطينيين كنّا أو لبنانيين، بل نحن على عكسهم متجذّرين فيها وباقين أبداً.
■ كيف تفهمين الكتابة الجديدة؟
- الكتابة كما أفهمها الآن، هي حرّة ومتحرّرة من أيّة رقابة. تحاول أن تفلت قدر المستطاع، من الرقابة الذاتية حتّى، لصالح النص وما هو ضروري له. كما أشعر بأنَّنا نكتب اليوم، بصدقٍ وعمقٍ أكبر من قبل، وأنّ الكتابة تناقش نفسها من دون خوف. التجريب سمة كبيرة فيها، مع ما يفترضه ذلك من إمكانية الفشل. في بعض الأماكن من العالم، "الكتابة الجديدة"، فقدت كلياً معناها، ونراها تحاول بجهد أن تستنبط لنفسها معنى في النص أمامنا. لكن في العالم العربي مثلاً، أشعر بأنّنا أمام مشهدٍ أفضل، في الرواية على الأقل، إذ إنّ فهم الرواية، القديم بعض الشيء، على أنها مجموعة من النصوص الشخصية أو المذكرات؛ أي ذاك الركون إلى شاعرية النص حصراً، من دون أي فكرة ومضمون يشكّلانه أو يحملانه، أصبحت أخيراً قديمة وهناك محاولات حثيثة للانتقال إلى نصّ روائي فعلي.
■ هل تشعرين نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه.. وما هذه الملامح؟
- رغم أنّني أرفض الفصل بين الكتابة النسائية والروايات التي يكتبها الكتّاب الرجال، فإنني أشعر بطريقة ما، بانتمائي لجيلٍ جديد من الكاتبات، انتهى من التركيز على سرديّة مظلوميّة المرأة، أو من تناول موضوع الجنس في حياتها على أنّه ثورة. ولو أنّ هذه الموضوعات كانت مفصليّة وضرورية للأجيال السابقة، إلّا أنني أشعر اليوم بأنّني من جيل كاتبات جاهزات للانتقال للمرحلة الجديدة من النِّضال، عبر إيلائهنّ أهميّة كبيرة للدفاع عن الحياة اليوميّة، العاديّة والحقيقيّة للنساء. الروايات التي تكتبها النساء، هي روايات كغيرها على الرفوف، مشغولة بأفكار خاصة وعن العالم، مع إضافة تغنيها، وهي المعرفة العميقة بأحوال الشخصيات النسائية، ومعالجة موضوعات الجنس والعادة الشهرية أو السريّة وغيرها، على أنها مجرد مشاهد طبيعية في حياة النساء. نكتب ونناقش أفكاراً متنوّعة، من دون تابوهات أو رقابة، ونجحنا بجزء كبير بأن ننزع صفة "رواية نسائية" عن رواياتنا.
هناك محاولات حثيثة للانتقال إلى نصّ روائي فعلي
■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
- في الأجيال السابقة بعض من أساتذتي الكبار ومن أتطلّع إليهم، مع رغبتي في تقديم ما يشبهني.
■ كيف تصفين علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
- أنا أُجسّد إلى حدٍّ ما "كليشيه" الكاتب (ة)، أي إنّني أفضّل دائماً العمل وحدي والتفكير على ورقتي، لكنَّني مع ذلك، بحاجة دائمة أيضاً إلى التواصل مع محيطي ومتابعة الفنون البصريّة، السينما والمعارض التشكيليّة خاصة، لأنها تساعدني على الكتابة بشكل كبير. ومنذ 2019 تأثَّرت البيئة الثقافيّة في لبنان بالانهيار الاقتصادي، والآن بطبيعة الحال بالعدوان الإسرائيلي على البلاد، المستمرّ منذ أكثر من عام. وفي السنوات الخمس الأخيرة، غادر العديد من الفنانين والمثقفين البلاد، لدرجة أصبحنا نشعر معها بالفراغ الكبير الذي خلّفوه. نشعر بهذا الفراغ في الأعمال التي تصدر، أو في اللقاءات التي ينظّمها المثقفون، ما فاقم من عزلتنا، حتى أصبحنا نعيش عزلة أكبر ممّا كنّا نريد ربما.
■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
أنهيت كتابي الأوّل وأنا في التاسعة والعشرين من عمري.
كلّ هذه الوحشيّة الصهيونيّة لن تصل أبداً إلى مآربها
■ أين تنشرين؟
- في الأدب، صدرت لي روايتان عن دار "هاشيت - أنطوان/ نوفل". كما نشر لي الشاعر الراحل أنسي الحاج قصيدتين، في صفحته الأسبوعية "خواتم" في جريدة "الأخبار" اللبنانية، ونشر لي الشاعر والكاتب عباس بيضون قصائد أخرى في الملحق الثقافي الذي كان يديره في جريدة "السفير". وفي الصحافة كتبتُ وعملت في العديد من الصحف والمواقع العربية، منها: "السفير"، و"الأخبار"، و"الجريدة"، و"العربي الجديد".
■ كيف تقرئين وكيف تصفين علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
- لا أعرف فعلياً كيف أصف علاقتي مع القراءة، ربما لأنّها متغيّرة، وليست دائماً نفسها. أحياناً أقرأ بشكل متواصل ولا أتوقّف سوى لمتابعة الأمور الحياتيّة الضروريّة، وتارة أنقطع عنها لأيام، وفي إحدى المرّات لسنة كاملة. كما أخطّط وأضع لوائح بكتبٍ وكُتّاب أريد أن أقرأ أعمالهم، وأحياناً أحب أن أدخل المكتبة لأختار بشكل عفوي وعشوائي. كما أحاول، قدر المستطاع، متابعة الجديد الذي يُنشَر، خاصة في العالم العربي. لكننا كلّما قرأنا، على أي حال، كلّما اكتشفنا مدى تقصيرنا وعدم إحاطتنا بكثير من الأمور.
■ هل تقرئين بلغة أُخرى إلى جانب العربية؟
- أقرأ بأربع لغات: العربية، والفرنسية، والإنكليزية، والفارسية.
■ كيف تنظرين إلى الترجمة؟ وهل لديك رغبة في أن تكوني كاتبة مترجَمة؟
- عندما كنت مراهقة كان لدي هوس بتعلّم أكبر عدد ممكن من اللغات، فقط لكي أقرأ الكتب بلغتها الأصلية. وكانت تحزنني فكرة أنَّني لا أستطيع أن أقرأ الشعر بلغته الأصلية. اليوم، أصبحتُ طبعاً أكثر واقعية، وصرت أفهم أهمية الترجمة، خاصة أنّ معظم قراءاتي التي شكّلت وعيي وثقافتي الأدبيّة والحياتيّة، كانت باللغة الفرنسية وما تُرجِم إليها. من هنا عشقتُ الترجمة والأبواب الواسعة التي تفتحها للتعرّف إلى الآخر والثقافات الأخرى. وكما اكتشفت، من خلال الترجمة، كُتّاباً من مختلف أنحاء العالم بمحض الصدفة في المكتبة. أُحبّ أن يكتشفني قارئ بمحض الصدفة أيضاً في زاوية ما، من مكتبة صغيرة في العالم. وقد تُرجمت، حتى الآن، روايتي الأولى "الهاوية" إلى الفارسية.
■ ماذا تكتبين الآن؟ وما إصدارك القادم؟
أنا منشغلة حالياً بكتابة روايتي الثالثة، كما لديّ مشروع ترجمة، أحاول أن أحقّقه قريباً.
بطاقة
كاتبة لبنانية من مواليد عام 1986، حاصلة على دبلوم دراسات عليا في الأدب الفرنسي من "الجامعة اللبنانية". عملت في الصحافة الثقافية كاتبة ومحرِّرة، مثل جريدة "السفير" و"الأخبار" و"العربي الجديد"، وكتبت حلقات تلفزيونيّة في مجال الموضة، كما أعدت برامج باللغة الفرنسيّة لصالح راديو MARS المغربي، وأنتجت وأعدت الفيلم الوثائقي "Tehran Unlimited". صدرت لها روايتان: "الهاوية" (2016)، و"منزلٌ عائم فوق النهر" (2021).