تقف هذه الزاوية، من خلال أسئلة سريعة، مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "وبعد كل هذا، لا بدَّ وأن أولد بتصوُّرات جديدة" يقول الشاعر المغربي في حديثه في "العربي الجديد".
■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟
- بالنسبة إليّ، الكتابة هي أن أنسخ هذا الكونَ مِن حَولي على ورقةٍ فارِغة، مضفياً عليه نظرتي الخاصّة، فكل كتابة، سواء كانت واقعية أو تخييلية أو حتى تجريدية، لا بدّ أن تحمل حقيقة هذا الكون الموجود سلفاً معبّأةً بنظرة صاحبها. لهذا أكتب نظرتي إلى الحياة، فتتبدّى لي الكتابة مثلما أتهجّى الكون، (أعتمد ما أمكن منهجية الرضيع في التعرُّف إلى العالم) فيغدو العالم الذي أكتب، عالماً موازياً، هو عالمي في النهاية، لكنه يحمل في صلبه عالم الناس أيضاً. عندما أتقمّص الكاتب/ الشاعر، أكون خالقاً جديداً لكون قديم.
■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
- لن يعني شيئاً إذا قلتُ إنّني أنتمي إلى الجيل الجديد أو جيل الشباب، لأنّ ملامح هذا الجيل لم تتّضح بعدُ بشكل يجعله مختلفاً ومتميّزاً عن أيّ جيل آخر. ربما يكون هذا الأمر هو ما يُميّز الجيل الشاب؛ إذ إنّه لا يسير في اتجاه محدَّد بملامح واضحة، بل تجد تجارب كثيرة ومتعدّدة ومختلفة، فلا تستطيع أن تُدرجها أو تصنّفها سوى في "الجيل الجديد". بهذا فقط أعتقد أنني ضمن هذا الجيل، أعيش تجربتي الذاتية الخاصة، في انتظار أن تلتقي التجارب في تصوُّر شامل يطبع ملامح هذا الجيل بأسره. وكم أتمنّى ألّا يَنسخ هذا الجيل تجربة غربية، أو تجارب سابقة، بودّي لو يكون جيلاً لا شبيه له في السابق... جيلاً يكون منعطَفاً وأصلاً لتصوُّر جديد وخلّاق في الكتابة.
■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
- أقرأ لكلّ الأجيال، وأحاول أن آخذ من كلّ جيل روح التجربة والعصر، لا أقرأ بأحكام مسبقة، بل أحاول ما أمكن أن أقرأ وفق سياق الكتابة وواقع كتابتها وجمالياتها وأدواتها، قد لا أحبّ كاتباً ما، أو على العكس أُعجب بكاتب آخر، لكن هذا لا ينبع من حُكم قبلي، بل يأتي بعد القراءة وفق المعايير التي ذكرتُها. وفي النهاية الأمر يرجع إلى نظرتي إلى الكتابة وليس إلى المزاج أو الأحكام القَبْلية.
■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
في المغرب تعرّفتُ إلى شعراء كثر لكوني - وإن كنت ما أزال في منتصف العشرين - مسؤولاً عن مهرجان شعري، استضفت شعراء مهمّين وعشت معهم الكتابة والإنسان والمقهى والمطعم والحديث والمجون… وهذا ساعدني كثيراً لاقتحام أسرار الكتّاب وخلواتهم، فلم أجد المكان غريباً عنّي، ولا وجدتُني غريباً عنه. تلقّيتُ الكثير من التشجيع من أصدقاء شعراء وكتّاب، قبل نشر ديواني وبعده. لهذا أعتقد أن علاقتي مع البيئة الثقافية في المغرب جيّدة إلى حدود الساعة، خاصة مع من أعرفهم ويعرفونني.
وبعد كل هذا، لا بدَّ وأن أولد بتصوُّرات جديدة
■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
- صدر كتابي الأوّل مطلع هذه السنة (2021) عن "دار النهضة العربية" في بيروت في صيغة إلكترونية ضمن سلسلة "أصوات" الشعرية، وسيصدر في وقت قريب بصيغة ورقية. والحقيقة أن الديوان كُتب قبل أكثر من سنتين، وكان عمري حينها 23 سنة، لهذا حمل عنوان "ثلاثة وعشرون عاماً في الوحل"... آمل أن تكون السنوات التي ستأتي محاوَلةً للخروج من الوحل.
■ أين تنشر؟
- بدأت النشر منذ 2014 في صحف ومجلّات إلكترونية مثل "ك ت ب"، و"العربي الجديد"، و"ثقافات"، حيث نشرت فيها شعراً وقصصاً قصيرة. لست من محبّي النشر أبداً، وما أنشره أكون في الغالب قد كتبته قبل مدّة طويلة، إذا لم يبدُ لي النص صالحاً للنشر وأقضي وقتاً طويلاً في التأكُّد من ذلك فلا أنشره، حتى وإن بقيت زمناً طويلاً دون أن أنشر لا أشعر برغبة في النشر. تتولّد لدي الرغبة بسبب النص نفسه، إذ عندما يكتمل اليقين من كونه نصّاً انتهى العمل عليه أتخلّص منه بالنشر، وإذا بدا أنه ما يزال يحتاج إلى الوقت فإنه يبقى في المذكّرة، حتى ينضج، ولا يوجد وقت محدد للنضج. النص سيّد نفسه!
■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
- تتنوّع قراءاتي بين الفكر والفلسفة والروايات والشعر والثقافات والأديان والتاريخ، أقرأ كثيراً، بمنهجيات مختلفة، وأعتقد أنّ ما أقرأه الآن هو بمثابة وقود أشعل به ناراً أتمنّى أن تتوهّج في لحظات الكتابة. كنت أقرأ أي شيء، امتثالاً لرغبة القراءة، أمّا الآن فبدأت أصنّف قراءاتي، وأبرمجها وفق جدول محدّد، إمّا قراءة أعمال وتجربة كاملة لشاعر أو كاتب أو مفكّر، أو قراءة أدب بلد أو جغرافيا معينة، أو قراءة تتمحور حول سؤال أو إشكال أو قضية معينة.
■ هل تقرأ بلغة أُخرى إلى جانب العربية؟
- مؤخَّراً بدأتُ أقرأ بالإنكليزية، لكن معظم قراءاتي باللغة العربية.
■كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تكون كاتباً مترجَماً؟
- إذا كانت قراءة عمل أصلي تحتاج النفاذ إلى روح الكتابة عند صاحبها، فإن قراءة عمل مترجم تحتاج النفاذ إلى روح النص وإلى روح لغته أيضاً، كأن الأمر مترجَم مرّتين، من النص إلى اللغة، ومن اللغة المترجَمة، إلى اللغة المترجِمة. أمّا عن رغبتي في أن أكون شاعراً مترجَما فالأمر ليس بيدي، أعتقد أنّ ما يُنتظر منّي هو أن أكتب بشكل جيّد، أمّا أن أترجَم فتلك مهمّة المترجمين. وأعتقد أنني إذا كتبت بشكل جيّد وكنت أستحق أن أترجَم، فسأحب ذلك بلا شك.
■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟
- لا أكتب شيئاً الآن، أقرأ وأعيش تجارب جديدة، وظيفة جديدة، مسؤوليات جديدة في الحياة، بيئة جديدة، غربة عن الأهل والأصدقاء، معظم الوقت تأمُّلٌ ومراجعة للذات وللكتابة وللتصوُّر الوجودي حول الكون والعيش والإنسان، وبعد كل هذا، لا بدَّ وأن أولد بتصوُّرات جديدة، قد تُعزِّز تصوُّراتي القديمة، وقد تهدمها، من يدري!
بطاقة
شاعر من المغرب، مواليد مدينة المضيق شمال المغرب، عام 1995. يعمل حالياً أستاذاً لمادة الفلسفة في الثانوية، يمارس العمل الجمعوي ويشارك في تنظيم أنشطة ومهرجانات ثقافية وفنية، نشر ديوانه الأول سنة 2021 عن "دار النهضة العربية" بعنوان "ثلاثة وعشرون عاما في الوحل"، يكتب إلى جانب الشعر القصة القصيرة.