صوت جديد: مع مهنّد ذويب

22 يوليو 2024
مهند ذويب
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الهاجس الحالي والكتابة الجديدة**: يعبر الشاعر الفلسطيني مهند ذويب عن شعوره بالهزيمة والخذلان جراء العدوان على غزة، ويرى أن الكتابة الجديدة تنطلق من قلق وخذلان شخصي، متحررة من القوالب الأدبية التقليدية، وتتماهى مع سمات مرحلة ما بعد الحداثة.

- **الانتماء الأدبي والعلاقة مع الأجيال السابقة**: يشعر ذويب بالانتماء إلى المشترَك الإيجابي في أجيال متداخلة، ويرى أن غياب الملامح المشتركة يميز هذه المرحلة. علاقته مع الأجيال السابقة هي علاقة نقد وإعادة نظر وإعجاب دون تقديس.

- **الإنتاج الأدبي والقراءة**: صدر كتابه الأول عام 2015، وينشر مقالات سياسية ونصوص شعرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يطمح لتعلم لغات أخرى لترجمة نصوصه الشعرية، ويعمل حاليًا على أطروحة دكتوراه واستكشاف كتابة رواية بعنوان "المكان".

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "أشعر بالانتماء إلى المشترَك الإيجابي في أجيال وحساسيات متداخلة" يقول الشاعر الفلسطيني مهنّد ذويب.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- لا أعرفُ إن ظلّ أحدٌ لم يهرس "الشعورُ بالهزيمة" عظامَه، جرّاء ما جرى ويجري، ولا أعرف إنْ كانَ أحدٌ نجا من موت أشياء داخله. أحسُّ ما أحسّه خليل حاوي في "الرعد الجريح": "ما لثقلِ العار.. هل حُمّلتُهُ وحدي؟"،  وأمتلئ بهواجسَ عدّة؛ الإنسان الذي خذلته إنسانيّته، الفرق بينَ الشهادة والمشاهَدة عموماً (داخل جغرافيا فلسطين)، التجاسر الذي هو فوق قدرة البشري، مسؤولية الشعر في "زمنٍ مضادٍّ للشعر". وأهجس بالأسئلة.. كيف ما زلنا قادرين على الاستمرار، كيف هذا العالَم لا يطلُب "استقالةً جماعية" من دوره المسرحي (والسخيف) في السعي والمواصلة؛ كان سقطَ وجهُ قابيل/ قايين.. حين افتتحَ ماراثونَ القتلِ فوق الأرض، وكان دمُ هابيل صارخاً إلى الله من التراب، كيف هذا العالَمُ يستطيع الاستمرار في الفُرجة بهذه الطريقة، وهو ينتظر مخلّصاً من نوعٍ ما ينتصر لصراخ أطفال بين جثث أهلهم، وهو ما زال يُؤمن أنّ ثمّة متّسعاً لبيانات استجداء مؤسّسات القانون والعدل والشرعية و(...). هواجس كثيرة وأسئلة وفراغ هائل في الصدور، ويبدو السياق الفلسطيني برمّته فيها متعذِّر الشرح أمام آلاف الأسئلة والجمل والكلمات والكتابات العالقة في الحلق.. خجَلًا "... والخجل عاطفة ثورية"، وأمام آلاف التناقضات التي تصبغ يوميّنا بالبُقع المريضة والداكنة والرمادية، "مرقَّطةٌ" وتكاد تصبح سوداء كلُّها فروتُنا التي تحت الحمراء (التي من دمِنا).


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- لا أعرفُ فعلاً ما إذا كان بإمكاننا الحديث عن كتابة جديدة (عكس قديمة)، لها ملامح واضحة يمكن تأطيرها وتقعيدها وبالتالي فهمُها. لكن يمكن القول إنّ كتابة "اليوم والآن" تنطلق من زاوية قلق وخذلان شخصيّ، وانكفاء على الذات، والانتباه للهامشيّ وغير المنتبَه إليه، فقد خفتَ فيها الصوت المبشّر، وتراجعت الصُّراخية، و"انهزمت" السرديات الكبرى. ولأنّ النصوص "دنيوية" كما رأى إدوارد سعيد، فإنّ ما يُنتَج الآن، باعتقادي، يتماهى مع سياق مرحلة ما بعد الحداثة وسماتها، ومع طبيعة التحوّلات الاجتماعية والسياسية والرقمية أيضاً. هذا من جهة، ومن جهة أُخرى، فإنّ الكتابة (اليوم والآن) أصبحت أقلّ تشبّثاً بالقوالب والأجناس والأشكال والتصنيفات الأدبية؛ فهي تنطلق حرّة بشكلها الخاصّ، وتصوّرها الخصوصي لشكل العملية الإبداعية، وهي ربّما تنأى بنفسها عن النقد الذي ما زال يستخدم الأدوات القديمة لقراءتها، ولا تنتظره، تماماً كما لا تضع في حسبانها أن تخيِّب أو تلبّي أفق انتظار قارئ ما، هي كما هي حقيقية وشفّافة، ولا تشبه إلّا أصحابها.


■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- قد يكون "غياب الملامح" المشتركة هو بحدّ ذاته ما يميّز هذه المرحلة كلّها، لا على صعيد النتاج الأدبيّ فقط. ولا أعلم إذا ما زال بوسعنا إحياء النقاش حول التحقيب أو المجايلة (وأستذكر هنا تجربة محمد بنّيس)، أو حتّى استخدام المصطلح الأكثر تداولاً (اليوم والآن) وهو "الحساسية" الشعرية. وبرأيي، فإنّنا من الممكن أن نجد بنيات أو أنساقاً (ظاهرة ومضمرة) مشتركة بين كتابات جيل زمني معيّن، لكنّ هذا لا يعني أنّ هناك ملامح واضحة لهذه الكتابات، فقد يعيش بيننا اليوم مَن ينتمي نصّه زمنياً إلى الفترة العبّاسية، ومَن ينتمي نصّه فكرياً إلى (...). أمّا أنا فأشعر بالانتماء إلى المشترَك الإيجابي في "أجيال" و"حساسيات" متداخلة.

غياب الملامح المشتركة هو بحدّ ذاته ما يميّز هذه المرحلة

■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- ليست علاقة أبوّة ولا أسعى لقتل أب (أدبيّ). هي علاقةٌ مع منجَز متراكِم يُشكّل في كُلّيّته روايةً جمعية، وهو خاضع للنقد وإعادة النظر وللإعجاب دون تقديس وتنزيه، ولولا وجوده لما كان يمكن الحديث عن تجاوُزه.. تكسيره، أو مجاورته.


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- متّصلة؛ إذْ أحرص على أن أتتبّع باستمرار، وقدر الإمكان، النتاجات الأدبية والفنّية؛ سواء في فلسطين، أو المغرب حيث أُقيم مؤقّتاً، ولديّ علاقة متّصلة أيضاً مع "الوسط" الثقافي في البلدين.


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟

- صدر بداية عام 2015، عن "دار الأعلام" بمدينة نابلس، بدعم من "جامعة القدس" التي كنتُ أدرُس فيها درجة البكالوريوس في تلك الفترة، وكنت أسّست فيها مع مجموعة من الأصدقاء المنتدى الثقافي والأدبي. ورغم "ندمي" على نشره فيما بعد، إلّا أنّ "التخلّص" من تلك النّصوص بنشرها كان ربّما ضرورياً لتجاوُزها وقياسِ المسافة بيني وبينها مع تقدُّم التجربة خطوات صغيرة. 


■ أين تنشر؟

- أكتبُ مقالاً سياسياً أسبوعياً في زاوية لي تحت عنوان "البحث عن المعنى" لدى صحيفة السوسنة الأردنية. أمّا النصوص الشعرية، فغالباً ما أنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو مجلّة "أفانين" التي أُشرف عليها، كما نشرتُ عملاً شعرياً جديداً نهاية عام 2022 بعنوان "نهايات محتملة للركض" صدر عن "دار أگورا" بمدينة طنجة المغربية.


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- في فترة ما، كانت منهجية ومنظَّمة. أمّا الآن، فتتراوح بين العفوية والعشوائية، تتكوّم الكتب في مكتبتي، مطويّةً وبعضها بداخل بعض، وبمواضيع مختلفة، وتتراكم فوقها وفي وسطها "الجذاذات" الخاصّة بأطروحة الدكتوراه، لكنّني مرتاح لهذه العشوائية، وأثق بها، وتزعجني الرتابة.


■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟

- أتمنّى لو كنتُ "ذا لسانين" بتعبير كيليطو، ولو أنّني أستطيع القراءة والكتابة بلغات أُخرى، خاصّة بالفرنسية. لكنّني أضع هدفاً أن أتعلّم لغات أُخرى بشكل جيّد، وحتّى ذلك الوقت، أحرص على قراءة الأعمال المترجمة، سواء في الرواية والشعر أو في النقد والفلسفة والإدارة الثقافية وغيرها.  


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرَجم أعمالُك؟

- الترجمة هي إعادة إنتاجٍ من نوعٍ خاص للنصّ الأساس، أو هي كتابةٌ فوق الكتابة الأصلية. وأعتقد أنّ ثمّة أعمالاً أكثر قابليةً للترجمة من أعمال أُخرى، بحيث يستطيع المترجم تخليق الفكرة وإعادة كتابتها بشكل سلس أو "شعريّ"، خاصّة في الشعر، كما أنّ المترجِم له دورٌ أساسي في جودة الترجمة. أطمح لترجمة نصوصي الشعرية (لو كانت قابلة بشكل جيّد للترجمة). 


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟

- رغم أنّني منشغل هذه الفترة بإنجاز أطروحة الدكتوراه حول أثر السياسات الثقافية التي تنتهجها المؤسّسة الرسمية على العملية الإبداعية، إلّا أنّني بدأتُ مغامرةً من نوع جديد، ربّما هذه المرّة الأُولى التي أتحدّث عنها. إذ أكتب (بشكلٍ متقطّع) مُحاولاً استكشاف إمكانية أن تُفضي بعضُ المسوّدات المترابطة تحت عنوان أوّلي هو: "المكان" إلى رواية، ليس فقط رغبةً في "التجريب"، وإنّما محاولة لاستلهام (واستيهام) تجربة ذاتية عبر ثقافية في بيئات ومجتمعات مختلفة، لنقاش جملة من القضايا التي من الصعب نقاشها إلّا في إطار التخييل الروائي.



بطاقة

شاعر وكاتب وصحافي فلسطيني من مواليد عام 1996 في مدينة بيت لحم، باحث دكتوراه في السياسات الثقافية. حاصل على ماجستير في الأدب والنقد من "جامعة مولاي إسماعيل" بالمغرب وبكالوريوس في الأدب من "جامعة القدس". صدرت له ثلاث مجموعات شعرية: "همسات على هامش الوطن" (2015)، و"لا أريكُم ما أرى" (2018)، و"نهاياتٌ محتملةٌ للركض" (2022). أُدرجت إحدى قصائده للأطفال في المنهج الرسمي للصفّ الرابع الابتدائي في فلسطين.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون