لطالما انشغل الفنّ بسؤال المستقبل، وطريقة تمثيله في الحاضر، وهذا بدوره يقود إلى الأسلوب والقراءة الداخلية التي تكتنف الإجابات المعتمدة على ذلك السؤال، وإن كانت مقتصرة على ما هو فردي، أو متّجهة صوب الجمعي، أو تدمج بينهما.
إلى هذا الاحتمال الأخير، أو لنقُل القريب، يذهب الفنان اللبناني طارق القاصوف، في معرضه "كلّ آتٍ قريب"، الذي يتواصل حتى نهاية الشهر الجاري، في "غاليري صالح بركات" بـ بيروت، ويتضمّن لوحات وأعمال نحتية وتجهيزات، تنطلق من واقع لبناني عام، لتعود فتتأمّل بمستقبل مُفترَض هو امتدادٌ له، ومُشتقّ عنه.
وكما تنشدُّ الأعمال في جوهرها إلى حدود زمنية كالمستقبل، فإنّها أيضاً تبحث في ما هو مكاني، بوصفه الإطار الذي تتحرّك فيه الفكرة، وهنا نتحدّث بطبيعة الحال عن بيروت، التي ما زالت تُجسّد، رغم ما تعيشه من أزمات، فضاءً تستقي منه الفنون أفكاراً، لكنْ هل كلّ هذه الوحشة المُقيمة في المدينة، وحدها ما يبثُّ الروح في اللوحات والمنحوتات؟
يطغى اللون الذهبي على أعمال المعرض الخمسين، وفي أقسامه كلها: "الإنكار"، و"المساومة"، و"الكآبة"، و"الرضوخ"، و"من أنت الآن؟". ولفهم طغيان هذا اللون، أو تقديم مقاربة عنه، علينا الابتعاد عن تصوّر أن مثل هذه العناوين تستبطن جرعة عالية من السوداوية فقط، بل هي على مستوى ما، شديدة الحيوية، ولأنها كذلك يأتي التباسُها بلون قوي كالذهبي، لأنه وحده يستطيع حَمْل تلك الدلالات، وتأديتها على مسرح الواقع الفني، كما ينبغي لها.
التذهيب كحالة لونية، يبدو كأنه عروقٌ تسري في جسد أرض تحتفظ بدُكنتها، كما أنه أيضاً، طريقة من طرُق النظر في الزمن ذاته، فإن كان المستقبلُ قريباً وآتياً، فيجب ألا ننسى أنّ "الماضي ذهبيّ"، خاصة في بلد كـ لبنان، يعيش على وقع حالة من الحنين الذي لا ينتهي.
إضافة إلى ما سبق، فإنّ الجانب الهندسي في الأعمال النحتية، يحضر بثقل موازٍ للحالة اللونية، وبهذين الحدَّين تُستكمَل هذه الاندفاعة نحو المستقبل، مُحافظةً على تعدّديتها الداخلية، وانفتاحها على التأويل.