أصدر الموسيقي وعازف البيانو اللبناني طارق يمني (1980)، حديثاً، معزوفةً موسيقيّة فرديّة (تراك) بعنوان "كينغ مطر". وكما يوحي العنوان، فإن المعزوفة بمثابة تحيّة إلى عازف البزق المعروف، مطر محمد، الذي ولد في سورية وانتقل إلى لبنان وهو في العاشرة من عمره. واستوحى يمني، كما يقول في حديث إلى "العربي الجديد"، معزوفته من جملة أو "لازمة" موسيقية من أعمال مطر كان يختتم بها جزءاً من تقاسيمه. أمّا فيديو القطعة، فهو من توقيع المخرج اللبناني علي دلّول. تطغى الموسيقى الإلكترونية على العمل، وهذا يختلف تماماً عن أعمال يمني السابقة، التي خلطت بين الجاز أو الـBAM (موسيقى السود الأميركية) وأنواع موسيقية عربيّة وشرقيّة أخرى، بمستويات متفاوتة.
أنتج يمني معزوفته "كينغ مطر" في برلين، التي يسكنها حاليّاً بعد انتقاله من نيويورك قبل أكثر من سنة. في هذا الحديث عبر الهاتف، بين نيويورك وبرلين، يصف الموسيقيّ اللبناني اضطراره للعمل من البيت، تحت ظروف التباعد الاجتماعي بسبب جائحة كورونا، ما عَنَى أنّ عليه أن ينتج المقطوعة الموسيقية، التي يعمل عليها، من دون الاستعانة بموسيقيين لتسجيلها. وهذا واحدٌ من أسباب استخدامه الموسيقى الإلكترونية في المقطوعة.
ولكن لماذا مطر محمد؟ يذكٌر يمني بأهمّيّته كواحد من أبرز ثلاثة عازفي بُزُق في العالم العربي على الإطلاق. ويقول إنّ أعمال مطر محمد استوقفته في الماضي، عندما بدأ يعمّق أبحاثه في مواضيع كالارتجال والموسيقى العربية والشرقية. ويستذكر الشغف الذي شعر به، حينها، نحو موسيقاه وعزفه. وعن تركيبة مقطوعة "كينغ مطر"، يقول: "لقد أخذتُ جملةً موسيقية ينهي مطر محمد الكثير من تقاسيمه بها. ولا أدري حتّى إنْ كانت من تأليفه أم أنّه استوحاها من عمل تقليديّ ثم قام بتغييرات عليها. ولكنّها أصبحت مرتبطةً به وجذبتني. وما قمتُ به في المقطوعة هو تأليفُ موسيقى حولَها خلال جلسات ارتجال، كما أنّ هناك، في المقطوعة نفسِها، طبقاتٍ موسيقيّة مختلفة متأثّرة بألوان أخرى".
ارتجالٌ على البَيات في فضاء يُخرجنا عن الرتابة والمألوف
وعن فكرة الفيديو يقول يمني: "تعرّفت إلى أعمال المخرج علي دلّول من خلال سلسلة فيديوهات أنتجها حول الحجر والتباعد الاجتماعي بعد انتشار فيروس كورونا. جذبني حسّه الفني العالي جدّاً ومخزونه المعرفي بالأفلام، وهو ما يمكن ملاحظته في تلك السلسلة. ويتناول فيها رسائل صوتية لأصحابه ومعارفه من بداية الحجر، تعكس الحالة النفسيّة التي كان يمرّ بها الجميع. وقام بتركيب ومونتاج مقاطع من أفلامٍ وأمور أخرى عليها. النتيجة هي مجموعة من الأعمال المميّزة. أدركت أنّني أرغب بالعمل معه. واغتنمت هذه المقطوعة كفرصةٍ للتعاون، وبادرت بالاتصال به".
ويضيف، حول ثيمة المعزوفة: "خلال حديثي مع المخرج، استذكرنا قصة مطر محمد وترحاله كبدويّ سوري ومعيشته في لبنان ومعاناته في الحياة عموماً. ومن هنا جاءت الفكرة بأن تتمحور المعزوفة حول ثيمة الترحال والتهجير. ورغبنا أن يعكس الفيديو روح تلك الفترة في بيروت والشرق الأوسط عموماً". ويشير إلى أنّ "الفكرة الموسيقية في المقطوعة تتمحور حول الارتجال وما يحدث مع التقسيم ومقام البَيّات، وكيف يمكن تطويرها وهي على تخْتِ أو أرضيّةِ موسيقى إلكترونية". وقد استخدم المخرج دلّول صوراً وفيديوهاتٍ كان يمني قد التقطها أواسط التسعينيات، حيث كان يصطحب الكاميرا معه أينما ذهب في زياراته إلى العديد من المناطق في العالم العربي، وهو أمرٌ نادر في تلك الفترة، كما يقول، لكنّه تقليدٌ تعلّمه وورثه عن والده.
يشعر المشاهد للفيديو بنوع من التغرّب، على الرغم من أنّ الصور ولقطات الفيديو أو أجزاءها توحي بجغرافيا ومعمارٍ شرق أوسطيّ مألوفٍ، لكنّ الموسيقى وطريقة المونتاج تكسران هذا "الوهم" باستمرار. ويعطي سماعُ جملة مطر محمد الموسيقيّة، وهي تتكرّر، القطعةَ بُعداً غرائبياً.
يأخذ طارق يمني، صاحب ألبومات "آشور" و"لسان الطرب: مفاهيم الجاز بالعربية الفصحى" و"بننسلر"، منحىً مختلفاً في هذه المعزوفة، التي أطلقها وحيدةً، مقارنة بأعماله السابقة، ولا سيّما ألبوماته. وكان يمني قد أعاد، في ألبوماته السابقة، صياغة موسيقى تقليديّة عربيّة في إطار الجاز الأفرو ــ أميركي، أو "الأفرو ــ طربي"، كما يُطلق عليه. لكنْ، كما في أعماله الأخرى، فإنّه دائماً في رحلة من البحث المستمرّ والغوص في عوالم مختلفة تخرج عن الرتابة والمألوف. وهو ما يواصله في هذا العمل.