لا تُعَدّ التشكيلية والنحّاتة الأذرية عائدة محمودوفا (1982) واحدةً من أبرز فنّاني جيلها فحسب، بل قد تكون من أكثرهم تأثيراً على واقع الفنّ في بلادها، من خلال تأسيسها وإدارتها لعددٍ من الفضاءات الفنّية والمتاحف التي تلعب دوراً أساسياً في تنشيط المشهد الفنّي في العاصمة الأذرية، باكو.
ففي عام 2011، أسّست محمودوفا، وهي ما زالت في التاسعة من العشرين من العمر، "فضاء يارات للفن المعاصر"، وهو مؤسّسة غير ربحية مختصّة باحتضان أعمال لفنانين أذريين، وبتقديم الدعم لهم في أبحاثهم وممارستهم. كما سُمّيت، عام 2012، مديرةً لـ"متحف باكو للفن الحديث"، الذي يضمّ، إلى جانب مجموعاتٍ من أعمال فنّانين محلّيين، أعمالاً لأسماء مثل: مارك شاغال، وسلفادور دالي، وبابلو بيكاسو.
اشتغالُ محمودوفا على المشهد الفنّي في بلادها لم يُبعدها عن ممارستها الشخصية كفنّانة، بل ربما فتح آفاقاً جديدة لها، وهو ما يمكن ملاحظته في العديد من المعارض التي تُقيمها منذ عام 2012، وآخرُها معرضها "الحدودية"، الذي افتُتح في الثامن من الشهر الجاري في رواق "غازيلي للفنون" بلندن، ويستمرّ حتى الرابع عشر من أيار/ مايو المقبل.
تعود الفنانة الأذرية في هذا المعرض إلى مفهوم الحدّ كما يتجلّى في تنظيرات عديد من الأنثروبولوجيين، حيث يمثّل عتبةً من شأنها الفصل بين عالمين أو أكثر، من دون أن تُحسَب كجزءٍ من أحد هذه العوالم. هكذا، تقترح محمودوفا لوحاتٍ ومنحوتات وتجهيزات استهلمتها شكل أساسي من تضاريس أذربيجان وطبيعتها، وصوّرت فيها خطوط الالتقاء بين كائنات حيّة وجمادات (العُشب والتربة، النباتات المتسلّقة وصخور الجبل)، أو بين حميمية المنزل وسِعة الخارج وانكشافه.
وتبدو عائدة محمودوفا وكأنها عثرت في نقاط التلاقي هذه، ذات الهويّة المركّبة بالضرورة، على استعارة أخلاقية وسياسية حول الانفتاح والتجسير والاختلاط، في مقابل ثيمات القطيعة والعزل والتفريق التي لطالما رُبطت بالحدود.