عبد الباسط سيدا.. في المسألة الكردية السورية

25 نوفمبر 2020
فاتح المدرّس/ سورية
+ الخط -

تزايد الاهتمام بمسألة الكرد في سورية منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011، مع تباين مواقف المجموعات والأحزاب الكردية منها بين مؤيد ومعارضة، ثم سيطرة إحدى قواها على مناطق في شمال شرق البلاد وبسط نفوذها عليها، وصولاً إلى السؤال عن مستقبل قضيتهم ومطالبهم التاريخية.

صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "موضوعات كردية سورية" للباحث السوري عبد الباسط سيدا، ويجمع بين دفتيه أوراقاً بحثية قدّمها في مؤتمرات وفعاليات تناولت الموضوع السوري عموماً، والمسألة الكردية السورية خصوصاً، بين عاميْ 2003 و2019.

يشدد الكتاب على ضرورة معالجة الموضوع الكردي السوري ضمن مشروع وطني سوري يشترك في صوغه جميع السوريين، على قاعدة احترام الخصوصيات والحقوق، والتشارك العادل في الإدارة والموارد، والقطع مع المشاريع العابرة للحدود الوطنية، خصوصًا المتطرفة منها، ونبذ أي تعصب ديني أو مذهبي أو قومي أو أيديولوجي.

يشدد الكتاب على ضرورة معالجة المسألة ضمن مشروع وطني سوري يشترك في صوغه جميع السوريين

يتوقف سيدا في الفصل الأول "الحوار العربي - الكردي: الحالة السورية أنموذجاً" عند مسألة مهمة، فيقول "أرى ضرورة تناولها بنفَس بحثي هادىء، وأعني بها مسألة العلاقة بين المثقفين العرب والكرد السوريين على وجه التحديد؛ فهذه العلاقة إذا بُنيت على أسس سليمة من شأنها أن تؤثر بصورة إيجابية في الموقفين: السياسي الحزبي، والشعبي العام لدى العرب والكرد على السواء". وبحسبه، يتوزع المثقفون العرب على ثلاث مجموعات أساسية في علاقتهم بالمسألة الكردية في سورية: المجموعة الأكبر تضم من يتّخذون موقف الصمت واللاأدرية؛ فلا يقدم هؤلاء أي مواقف منطوقة أو مكتوبة تقارب المسألة الكردية. أما المجموعة الثانية فتمثّلت الخطاب الرسمي من موقع التحامها العضوي معه، أو بناء على تعصّب متشنج لا يستطيع استيعاب أهمية الاعتراف بتمايز الآخر، واحترام الاختلاف وإمكانية التفاعل معه في سياق نظام ديمقراطي. في حين تضم المجموعة الثالثة المثقفين العرب الذين يدعون إلى الإنصاف ورفع الغبن الحاصل على الشعب الكردي في سورية.

ثم يسرد في الفصل الثاني "واقع المسألة الكردية في سورية وآفاقها" وقائع الاضطهاد التي يتعرض لها الأكراد السوريون على يد النظام السوري، ومنها الحد من نسبة الوجود العددي الكردي بسبل شتّى، والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي في المناطق الكردية، والتضييق الاقتصادي المستمر، والحفاظ على التخلف في المناطق الكردية، وإلغاء الشخصية الثقافية الكردية. وبحسبه، ليست القضية الكردية في سورية قضيةً داخلية بحتة، بل تُعَدّ جزءًا من قضية إقليمية برزت بصورة حادة بعد الحرب العالمية الأولى، وما زالت تداعياتها فاعلة تؤثر وتتأثر بالتصورات المختلفة التي تشهدها المنطقة. 

ويرى في الفصل الثالث المعنون بـ "موقع المسألة الكردية في خارطة التفاعلات التي تشهدها سورية راهنًا وآفاقها المستقبلية"، أنه "لا بد من بلورة معالم مرجعية كردية تضم سائر الفصائل والطاقات، وتعتمد الهمَّ الكردي في إطاره الوطني السوري، بعيدًا عن الحسابات الذاتية الآنية والعصبيات الحزبية التي تتنافى مع المشروع الوطني الشامل الذي تكون الأحزاب والتنظيمات بالنسبة إليه مجرد وسائل تمكّن من الوصول إلى المبتغى، لا العكس".

غلاف الكتاب

يخصص سيدا الفصل الرابع للثورة السورية والكرد بعنوان "موقع الكرد في الثورة السورية وتفاعلهم معها"، فيعرض فيه وقائع من مشاركة الكرد في الثورة السورية التي اندلعت في عام 2011، وينتقل في الفصل الخامس وعنوانه "مستقبل كرد سورية"، فيرى أن حل القضية الكردية في سورية ضمن إطار وطني، وحلّها في تركيا وفق المبدأ نفسه، سيؤديان إلى تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، وستتحول تركيا بالنسبة إلى المناطق الكردية في سورية إلى رافعة اقتصادية نهضوية. 

ويعود في الفصل السادس إلى الثورة السورية مجددًا وعنوانه "الكرد والثورة السورية: التصور، الواقع، العلاقة بفصائل المعارضة السورية"، وفي الفصل السابع، "الوجود الكردي في سورية تاريخيًا واجتماعيًا"، يتوقف سيدا عند الخلفية التاريخية لمسألة الوجود الكردي في سورية، بالعودة إلى المباحثات والاتفاقيات التي عُقدت بعد الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء من جهة، وفرنسا وتركيا من جهة أخرى. 

وعودة مرة ثالثة إلى الثورة في الفصل الثامن، "كرد سورية والثورة: ماذا جرى للمجلس الوطني الكردي؟"، يعتقد سيدا أنه على الرغم من ضعف المجلس الوطني الكردي، فإنه سيكون له دور مستقبلي فاعل على المستويين الكردي والسوري الوطني العام. 

أما الفصل التاسع، "نحو مقاربة جديدة لحل المسألة الكردية"، فيقول فيه سيدا إن المسألة الكردية هي واحدة من أكثر المسائل تعقيدًا في منطقتنا، ولن يكون من السهل الوصول إلى توافقات بشأنها عبر المجاملات الخاوية من مضمون واقعي؛ فما نحتاج إليه قبل كل شيء هو متابعة اللقاءات والحوارات، حتى نصل إلى توافقات حول إجراءات ملموسة تبدّد المخاوف، وتفتح الطريق أمام مقاربة جديدة للمسألة؛ مقاربة تقطع مع المنظومات الأيديولوجية التي كانت فاعلة حتى الآن، وهي منظومات قومية أو مذهبية متشددة، واعتماد منظومة وطنية قادرة على طمأنة الجميع وإشراكهم الفاعل في عملية إعادة بناء النسيج المجتمعي الوطني والصروح العمرانية في دولنا ومجتمعاتنا المنكوبة.

ويختم سيدا في الفصل العاشر، "جذور القضية الكردية في سورية وآفاقها"، برأيه أن الأمر الغريب واللافت من جانب القوى السياسية الكردية يتمثل في غياب استراتيجية متكاملة على المستوى الكردي السوري، تقوم على دراسة الأوضاع والإمكانات، وتحديد المطلوب، وبلورة معالم البدائل المطروحة عبر استشفاف ملامح الآتي المتوقَّع، أو بتعبير أدق استنادًا إلى القراءة المتأنية في الواقع السوري الراهن، وتطوراته المقبلة، وإمكان تعددية احتمالاته.

المساهمون