ضمن "سلسلة أطروحات الدكتوراه" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثاً كتاب "دور الشباب في الحراك الثوري السياسي في اليمن: دراسة سوسيولوجية 2011-2016" للباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الكريم غانم.
الكتاب دراسة ميدانية تتناول تجربة اليمن في سياق ثورات الربيع العربي، وتركز على تحليل المحددات الاجتماعية لقيامه، والدور السياسي للحركة الاجتماعية التي جمعت السمة الشبابية والحزبية، واتجاهاتها وموقعها وموقفها من التغيير، وتحليل التكاليف والفوائد التي اقترنت بمشاركتها السياسية، وطبيعة الفرص والمعوقات التي أحاطت بها، في ظل تأثير البنى الاجتماعية التقليدية، والمتغيرات الخارجية، من خلال مقارنتها بتجربتَي تونس ومصر.
كما ترصد الدراسة خصائص التجربة اليمنية، ونقاط قوّتها وجوانب ضعفها، وتقييم طبيعة "المجال العام" القائم وما بات يتيحه من مشاركة سياسية يمكن البناء عليها في تحقيق التحول السياسي، ما يجعل من هذه الأطروحة مرجعًا يخدم المثقفين والأكاديميين والناشطين وصناع القرار.
يرصد الكتاب خصائص التجربة اليمنية، ونقاط قوّتها وجوانب ضعفها
إن قراءة الحراك الثوري السياسي في اليمن في ضوء نظريات "العملية السياسية"، مفيدة في تحليل الظروف الاجتماعية التي أحاطت بتكوُّن هذا الحراك وتفسير قدرة الفاعلين السياسيين على التأثير في شكلٍ يسمح بتعبئة المؤيدين، بحسب الكتاب، إذ تبقى الحاجة إلى تحليل طبيعة الصراع بين الحركة الاجتماعية، ممثلة بالشباب وجماعات المعارضة على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها، والنظام السياسي الذي يميل إلى الدكتاتورية واحتكار السلطة والثروة، ويعاني الفسادَ والمحسوبية، وذلك ما جعله أقل قدرة على تحقيق الحاجات الأساسية والمطالب العامة، الأمر الذي يتطلب الاعتماد على نظرية الحركات الاجتماعية الجديدة لفهم خصائص الحركة الاجتماعية في اليمن، باعتبارها حركة عابرة للأيديولوجيات، تنتمي، في معظمها، إلى الفئات الاجتماعية المتوسطة والفئات الفقيرة القريبة من المتوسطة، ولفهم موقف الحركة الاجتماعية من التغيير، وفهم أهدافها ومطالبها، حيث إن نظرية الحركات الاجتماعية الجديدة تركز على المستوى الكلي للمجتمع، بينما تركز نظريات تعبئة الموارد والفرص السياسية على المستوى الجزئي التنظيمي.
ويرى المؤلّف أن النظام السياسي الذي أعيد بناؤه على أساس التعددية السياسية وتداول السلطة لم يتمكن من تحقيق العدالة بين الفاعلين السياسيين المتنافسين؛ إذ ظلت العملية السياسية السائدة تحدّ من مستوى المشاركة السياسية وتعيق حدوث تداول سلمي للسلطة، وبصورة خاصة في المستويات العليا، بما ترتب عليه من أزمات شكلت فرصًا سياسية أمام المعارضة تضاف إلى الاختلالات البنيوية للنظام السياسي، وتزايد خصومه، وإمكانية عقد تحالفات سياسية بين الفاعلين السياسيين الذين صاروا يعون أنهم تعرضوا للتهميش والإقصاء، ومنهم تكتل "اللقاء المشترك"، الحوثيون، والحراك الجنوبي، والجماعات الدينية المختلفة، إضافة إلى الفئات الشعبية التي تكوَّن لديها وعي بالاستبعاد من الانتفاع بفوائد الدولة، في ظل التطور النوعي في الموارد الإعلامية، وأهمها القنوات الفضائية التي أتاحت لخصوم النظام السياسي ومعارضيه في اليمن إمكانية تجاوز رقابة الدولة على وسائل الإعلام، وأتاحت للفئات الاجتماعية فرصة متابعة رأي آخر غير الذي ينقله تلفزيون الحكومة وإذاعاتها، فشكلت بذلك فرصًا خطابية ساهمت في إبراز التوجهات الدكتاتورية التي انتهجها القادة السياسيون، وكشْف قضايا الفساد وتدنّي أداء الحكومة في تقديم الرعاية الاجتماعية والتنمية، والحدّ من الحريات السياسية، وهو ما دفع أحزاب المعارضة إلى تغيير استراتيجياتها، وتجاوز عداواتها القديمة واختلافاتها الأيديولوجية، والخروج من حالة الانكفاء على الذات إلى السعي نحو تكوين تحالفات سياسية اقتضتها دواعي الدفاع عن مصالحها المشتركة.
أكسبت هذه التجربة الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة خبرة في التجاوز المؤقت للاختلافات الأيديولوجية والعداوات القديمة، من أجل بناء تحالف قائم على المصلحة السياسية المشتركة، له هوية جماعية، وإن كانت مؤقتة، قائمة على أساس الخصومة للقادة السياسيين، مع تمسّك كل تنظيم بهويته الحزبية، القائمة على أسس فكرية أيديولوجية في معظمها، بحسب الكتاب.
ويشير غانم إلى أن اختلال البنية السياسية وعدم اكتمال نموها المؤسسي يعيقان عملية التحول السياسي السلس. كما أن الانقسامات الاجتماعية تعيق تكوُّن الهوية الجماعية، وتعرقل حدوث عملية تكتل اجتماعي واسع؛ فالصراع بين حركة اجتماعية واسعة وجماعة صغيرة من القادة السياسيين يتحول إلى صراع بين جماعات اجتماعية وجماعات أخرى، إذا كانت فرص إعاقة التغيير أكثر من فرص تحققه.