I
عينايَ مرآةٌ
خلفهُما
أبني مستودعاتٍ
جديدةٍ للذّاكرة.
▪▪
أتنفّس بجديّة ريح الشّمالِ
أخلع عنّي جلدي
جِلدي شِراع.
▪▪
في الفجرِ
ينمو لي ذنبٌ أحمر
لأصادقَ ثعالب الحيّ.
في الظّهيرة
ينمو لي ريشٌ أسود
لأجالسَ الغِربان.
في اللّيل
تنمو قدمي مِن جديدٍ
لألتحقَ بالرّاقصين والرّاقصات.
II
عبرَتِ السّماءَ ثلاثُ طيورٍ مُسرعة
هذه رتابة محبّبة إلى قلبي.
III
كانتِ الأشياءُ مصطفّة داخلَ تراجيديا منمَّقة
الطّفلُ على صدرِ أمّه يرضعْ
العصفور على الشّجَرة يُزَقْزِق
أحدُهم يَركل جُثّة.
▪▪
العجوزُ يُشذِّب الأشجار ويُدندن لحناً خافتاً
المساحةُ الخضراءُ خلفه تُشبههُ الآنْ.
مشذِّبُ الأشجار هَلْ هو الله؟
▪▪
تَرجَّلَ مِن نومهِ وأعاقَ تقدُّم الدّبابات
لمس الهواءَ بيديهِ وهو يعلَم أنَّهُ
لن يعودَ إلى النوم أبداً.
▪▪
يخرجُ الأولادُ بلباسِهِم الأبيضِ
يحملونَ أسلحة تطلقُ ضحكاتٍ هيستيريّة
ونتفَ نعناعْ.
▪▪
الرّجل يُخبر ابنتهُ أنّها ابنتهُ
لأولِ مرَّة.
▪▪
وكان أنْ تَسلَّل الأولادُ من خلفنا
وراحوا يُطلقون أسلحتهم على كلّ شيء
على منزل فَاغنرْ مثلاً
على الأعمى الّذي يقطعُ الشَّارِع
على واجهة الملحمة
على صانع النَّبيذِ الإيراني
على السيّاحِ الشُّقر.
...
الرّجاء عدم التّصفيق!
▪▪
دخل المُراقِبُ وأحصَى عدد الثُّقوبِ في الجِدار
الأوْلادُ تعبوا فناموا
هل سيُذْكَر هَذا في التّقرير؟
هل سيكذبُ عن عدد الثُّقوبِ؟
...
الرَّجاءْ عدم التّصفيق!
IV
ما هذا يا رجلْ
إنّهُ مرطبان فيه قِطعٌ من السكّر الأسمر
هلْ أُعجبْتَ بشيء كهذا مِن قبل؟
أجبتُ: بلى!
▪▪
هل أضاع مُوَزِّعُ الأمل طريقهُ
أمْ هُنالك روايةٌ أفضلْ!
▪▪
قدَّم لي صديق على سبيلِ المِثال هديّة
المدينةُ ما تَزالُ عالقةً في العُلبَة.
▪▪
نجلسُ
في شفاهٍ منفصِلَة.
▪▪
سأعيدُ التّذكير بماضغي الزجاج
مَن مِنكم يَذكر ماضغي الزجاج
والمجموعة الفنيَّة المعروضة
تحت عنوان مسروق عن كتيّب الفَرح
الحبُّ سيمزّقنا.
▪▪
وضع نَموذجاً متطوِّراً للإنسانيّة وسط المدينة
أحدهم لم ينظر إليه بعدُ!
▪▪
قطيعٌ من الأرانبِ تغتسل في ماء فضيّ
مجموعُ الألوانِ طعمها مرّ
يا ولدي
ما تريده هو أنْ تكون مَصبوباً بالحياة كتمثال يخترق المكان
دون إذنْ.
▪▪
سقط ضوء بهيّ وسط الغابة
ذَهبتُ مع كلبي بحثا عنه
للأسف
كان مجرَّد نجمة.
▪▪
أستيقظ في الصباح الباكر
وأقطع الشجرة مِن وسط الحديقة
كانت ستعيق مشهد النهاية
في المساء تجمَّع حوله الأصدقاء في الحديقة
لكنّ شيئا لم يحدث!
▪▪
كاميرا مصنوعَة من علبة أحذية
رائع
لكن أيضاً
شيئا لم يحدث.
▪▪
يطفح القلب قليلا أوّلَ الرّبيع
قليلا فقط
الهاتف يرنّ
ربّما غدا.
▪▪
هرّتان في وصال حَميم
عجوز يَطفو عاريا على الشُّرفة
أحدهم يصافحني ببرودة
جارتي النيجيريّة الرائعة تبكي
وجهك الذي مرّ مِن هنا
قبّعتي في يدي
أصوات تبتعد
وسلحفاة!
V
سمعتُ الشّمس تشرق
ثمّة هواء نقيّ
كجبين طِفلة
غشاوةُ الصَّباح تترك رسائل
ليست لأحد.
إن تنشّقتها
تتعلَّم بعض أسماء المستَقبل.
سمعت الشّمس تشرق
ثمّة دعسات
يجب صنعها اليوم
هيا يا قطعان الدّم
تتجمَّع عند فروع الأصابِع.
سمعت الشَّمس تشرق
بشهيّة لحميّة
أقطف فواكه المشهد
مِن حافَّة الخرز ودائرة الجنون
مِن اشتباك الحلمين وما يحوم
مِن كواكب وكلّ ما يدرك دفعة واحدة
من الحُبّ.
سمعتُ الشمس تشرقُ
أم أنَّه امتداد صمتك
يا لك مِن أخرَس
أنت أيّها الصّباح الموحِش
هل سمعت الشّمس تشرق؟
VI
هذا
المحشور في الرّأس
رغما عنك
دفعا دفعا
مغطّى بزيوت مختلّة
وأنت تظنّ
أنك أنت
لست كلّ غواية أنت
رغبة أنت
مسكون أنت
بهذا العالم.
يحيك داخل فمك سوارتهُ
هكذا
يخرج كلامك كفقَاعة
هكذا
يكونُ مولدُ الحُطام
أكتب هنا لأوّل مرَّة عن ما وجَدتُهُ لأوّل مَرَّة
لأنَّه
لا يأخذني
لا يعطيني
الشيء وصحنهُ والخرَاءُ العَظيمُ
الشيء وخزنتهُ والأرقام الّتي تقسم على ثلاثة
هذا
المحشور في الرّأس ومغطى بزيوت مختَلَّة.
VII
طفل يدور حول نفسه ثمَّ يصعد ليتزحلقْ
لا ليس أنا
رجل وقف يبحث عن شيء قد أضاعهُ
لا ليس أنا.
▪▪
تعالَ نتخيَّلِ الشيء الضّائعْ!
علبة بحجم قبضة اليد
تفوح منها رَوائحُ عطريّة
له قدرة
إذ يطوف في الهواء لبرهة
إن لم تكن تنظر إليه
يقال
فيه تسكن أرواح أربعة عصافير
وأربعة أسرار وزوايا فصول
صنعه عجوز محكوم بالموت
ليومنا هذا.
▪▪
حفلة شراء باقة من اللّيلك الزهري
قبل أن ننطلق على متن الرّصاصة الفضيّة
نحوَ فضاء الباراتِ المُمتازة.
▪▪
العالم في فوضى عارمة
غرفتي مُرتبة
مريحة كابتسامة.
VIII
مِن محطّةِ كنيسة المجدليّة شفيعةِ جوزيف عيساوي
ثمّ قال:
رأيت رأس حصان
يطفو كقبّعة على صفحة الماء.
ثمّ قال:
عربة المَوتى يجرّها
ألف سنونو
وطفلتان شفّافتان.
ثمّ قال:
ثمّ قال وداعا للنّادلة
بقدم واحدة وهرّته السّوداء.
ثمّ قال:
في الأمس كانت مئويّة بازوليني
لنشربْ نخبه عزيزي آرنستو
نبيذاً شعبويّاً.
ثمَّ قال:
آكلو الزّجاج
نخبة انقرضت.
ثمّ قال:
لن تجد لك مكاناً مريحاً هُنا!
الأمكنةُ المُريحةُ مُريبَة لعاشق مثلي.
ثمّ قال:
لنُعِدْ إنتاجَ كلّ أغاني
فرقة كتيبة الفرح الآنْ
قبل أن يفرّقنا ما جمعنا من جديدْ.
ثمّ قال:
أمام تمثال ماركس اليوم كنّا
أخرجنا الرَّجلُ التّعِسُ مِن قبره
ليرى الشّمس للمرّة الأخيرة.
ثمّ قال:
أضعتُ عشر ساعاتٍ في محطّات الباص
فقط لأكتبَ ما كتبتُ
فقط لأعود سالماً.
IX
مكسورٌ
غير مكسورٍ
حجاب من نيكوتين
يَمنع عنك الربيعَ
إلامَ تنظرُ
عندَما يمنع عنكَ النّظر
أين يجب أنْ تنتظرْ؟
عندما يمنع عنكَ الانتظارْ.
▪▪
تطاردُني كلابُ الحيّ
كلّ يوم بطريقة لطيفة
أقطفُ لهم عظماً مِن يدِي
أكلْنا بشهيّةٍ أسراراً كثيرةً
لم نُبالِ بالأرض التي طارت من بين أعيُننا.
▪▪
المساءات باردة
نتبادل التّكشيراتِ أنا وكلاب الحيّ
الشتاء لا يترك مكانا لأحدٍ على الحافّة
والمدخّنون كُثر.
X
الحربُ هي:
الربيع يعود كالعدوّ للأرض المحروقة
عشب أخضر وغراب
ولأنَّ حفّار القُبور قُتِلَ في الأمسِ
كلُّ جثَّة باقية كحوضِ زهورْ.
الحربُ هي:
الأشياء الواضحةُ
تحبُّ تكرار نفسِها
عندكَ عشر أصابعَ
وأصِبْتَ باثنتي عشْرة رصاصة.
الحربُ هيَ:
درّاجتي الهوائيّة
التي سرقها جنديٌّ
وأهداها لولده
في يوم عيد ميلادي.
ما زلتُ هذا الولد الذي يبحث عن درّاجة أهديها لنفسي
أو أسرقها كلّما جاء يومُ ميلادي
أو اندلعت الحرب.
XI
الأرض التي
لا نملكها
لا أنت
لا أنا
هذه الهديَّة
بطعم المنفى.
▪▪
تلك الضجّةُ
كما لو أنَّ شيئاً رفس
ألْقِي عمداً
ارتطمَ
سريرُ كبيرٌ بقائمةٍ مكسورةٍ
رمى معطفهُ
بجانب مَن يتظاهرُ بالنّومِ
المِعطفُ اتّخذ شكل شخص غائب أيضاً.
بطاقة
شاعر وفنان تشكيلي لبناني سوري، من مواليد 1974 في دمشق. صدرت له مجموعتان شعريّتان: "مملكة الصّراصير" (2003) و"دليلُ المهرّج (2021). مواضيعُ أعماله وقصائده مستوحاة من حياة المدينة التي يعيش فيها. أعمالهُ تضيء على التّناقضات في السّياسة، والعدالة الاجتماعيّة وانعدام الحبّ والثّقافة. يقيم ويعمل حالياً في لندن. القصائد المنشورة هنا من مجموعة شعريّة جديدة تصدرُ قريباً بعنوان "مُذَكّرات رَجُل لا يُغادر غرفتَه".