مع افتتاح "معهد الفنون الجميلة" في مدينة الموصل خلال النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، ساهم المخرجان الفلسطيني عصام سميح ــ الذي رحل منذ أيام (1954 – 2022) ــ والتونسي المنجي بن إبراهيم، مع مسرحيين عراقيين، في تأسيس رؤى وأساليب حديثة في بناء العرض المسرحي.
ارتكزت أعمال الراحل، في تلك الفترة، على نصوص عربية وعالمية لكتّاب من أمثال بروتولد بريخت وريونوسكي أكوتاغاوا وصلاح عبد الصبور وغسان كنفاني. وسعى سميح ــ المولود في العراق لعائلة فلسطينية لجأت إليه عام 1948 ــ إلى تكريس البُعد الفنّي والجمالي دون التخلّي عن المضامين الاجتماعية والإنسانية، والاهتمام باللغة البصرية ومفرداتها عبر امتلاكه معرفة نظرية وخبرة عملية في تصميم الأزياء والديكور والإضاءة وغيرها.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يشير الفنان المسرحي الأردني نبيل الكوني إلى أن عصام سميح "كان رجلَ مسرح ملمّاً بكلّ عناصر العملية الإنتاجية، حيث كان يُشرف على تنفيذ كل تفاصيل السينوغرافيا في جميع المسرحيات التي أخرجها، متبنّياً خلالها مقولة 'الفن للمجتمع'".
مسرحيّ فلسطينيّ أثّر في تطوّر المسرح العراقي في الموصل
ويصفه بـ"المسرحي المثقّف، كونه كان دائم القراءة من أجل تطوير أدواته الفكرية والفنية، وكونه يتّسم بديناميكية تَبرز في اشتغالاته ضمن مجالات متعددة"، موضّحاً أنه منذ مغادرته العراق عام 2003، واستقراره في عمّان، تابع عن كثب نتاجات الحركة المسرحية الأردنية لكنه لم يكن جزءاً منها، إذ "حاول الانتساب إلى نقابة الفنانين الأردنيين لكنْ تمّ رفض طلبه انطلاقاً من مبرّرات واهية".
ويلفت الكوني إلى أنه كان دائم التواصل مع سميح منذ سبعينيات القرن الماضي، أيّام دراستهما في "معهد الفنون الجميلة" ببغداد، وحتى قُبيل رحيله بأيام، حيث تحدّثا في مكالمتهما الأخيرة عن إمكانية مشاركة المخرج الفلسطيني في تصميم الملابس لأحد المسلسلات التلفزيونية، تكراراً لمشاركة سابقة له، إذ شكّل مشغل الخياطة الذي يديره مصدر دخله الأساسي، بالإضافة إلى مشاركته ممثّلاً في أدوار ثانوية قدّمها ضمن برامج وإعلانات وأفلام وثائقية، كما كان يخرج كلّ سنة عملاً مسرحياً يقدّمه طلبة "مدارس عمّان الوطنية".
بالعودة إلى تجربته الثريّة، يحتفظ أرشيف الصحافة العراقية بمتابعةٍ لمسرحيته "رحلة بهلول في خان قمر"، من إنتاج "فرقة مسرح الحدباء"، التي عُرضت عام 1987، عن نصّ للكاتب فارس جويجاتي. ويستعرض العملُ الفسادَ الحكومي وفرْض الضرائب الجائرة واختلال العدالة كما تجسّدها قصة القاضي بهلول، وهو عملٌ أشاد نقّادٌ بتماسكه إخراجياً وبتحكُّم صاحبه بالمؤثّرات البصرية، وأهمّها الإضاءة التي انسجمت مع مسار الأحداث.
أثرٌ ظلّ حاضراً في كتابات طلّاب سميح وزملائه على وسائط التواصل الاجتماعي بعد رحيله، ويضيء مرحلة مهمّة من تطوّر الفن الرابع في مدينة الموصل؛ مرحلة شهدت ظهور العديد من الفرق الجديدة، والتي عبّرت عن انخراط المخرج الفنان الفلسطيني في الحركة المسرحية العراقية بشكل عام، وهو الذي اعتنى بالتقنيات الفنية والتجريب بقدْر تركيزه على البُعد الجماهيري.
من أبرز ما أخرجه عصام سميح على الخشبة: "القاعدة والاستثناء" لـ بروتولد برشت، و" راشامون" لـ يونوسكي أكوتاغاوا، و"طير السعد" لـ قاسم محمد، والعشاء الدسِم" لـ رياض عصمت، و"ليلة القتلة" لـ فوزية تربانا، و"الفرسان الثلاثة" لـ هيثم خواجة، و"لقاء الريح" لـ فائزة اليحيى السفاريني.