في عام 2021، عرض الفنان السوري، المقيم في ألمانيا، علي ق عمله التجهيزي "أنا غريب - الغربتين" في "قاعة قصر المشتّى" داخل "متحف الفنّ الإسلامي" ببرلين، وهو عمل يقتبس عنوانه من إحدى قصائد أبو حيَّان التوحيدي التي تتمظهر فيها فلسفة الاعتزال الاختياري عن المجتمع من أجل الوصول إلى السلام التأملي، بحسب الفهم الصوفي.
ولمجاورة العمل لواجهة القصر الأموي الذي يعود بناؤه إلى ألف ثلاثمئة عام، اختار الفنان المثلث كعنصر أساسي يرمز إلى علاقة الجزء بالكل الغائب، حيث المثلث الموضوع أمام الواجهة يصبح بوَّابة تربط بين الماضي والحاضر وكذلك بين الحضارة الإسلامية المبكرة والحضارة المسيحية.
"عَرَفتُ المنزِلَ الخالي" عنوان معرض علي ق، الذي افتتح في "مؤسسة خالد شومان/ دارة الفنون" بعمّان في الرابع عشر من الشهر الجاري، ويتواصل حتى السابع والعشرين من تموز/ يوليو المقبل، ويضمّ مجموعة مختارة من أعماله، تعكس الوسائط التي يستخدمها لإنتاج النص البصري والمكاني وتأويل المعنى والرؤية وإنتاجهما، من الرسم والتصوير الفوتوغرافي وفنون الفيديو والتركيبات.
عنوان العمل التركيبي الجديد الذي يحمل المعرض عنوانه، مقتبس من قصيدة للوليد بن يزيد، من وحي أدبيات الوقوف على الأطلال في الشعر العربي القديم، ويتبع عمل "أنا غريب الغُربتين"، حيث يُحاول الفنان تفكيك الهجرات التي تعرضت لها واجهة قصر الُمشتّى الأموي، حتى وصلت إلى المتحف الألماني.
تتضمن الأعمال فنًا تجريديًا يرتبط باهتمامه بالعمارة والتاريخ والمدينة والمخطوطات التاريخية، والتقاطعات بينها؛ فتحضر المدن التي عاش فيها الفنان في أعماله لتترك أثرها واضحًا: دمشق وبيروت وبرلين، كما يظهر جليًّا تأثره بتراث المتصوّفة والتراث الفلسفي والفكري العربي والإسلامي.
ويشير بيان المنظّمين إلى أن "أعمال علي تحفر في مشاهد الهشاشة والميلانخوليا والفقدان من حوله، وذلك في مجموعة أعماله بعنوان "شق" (2011 - 2023)، ويستخدم فيها مواد كالورق والحبر. ومن خلال معالجتها بالنار، يُعيد إنتاج المساحات البصرية ويحددها. فالحرق كتقنية فنية تعمل على خلق الشقوق بشكل تجريدي".
يتأمل الفنان من خلالها الثنائيات المختلفة، مثل الحركة والسكون، الشكل والمحيط. وعلى أطراف هذه الشقوق، تتخلّقُ مساحات الفراغ بين حدّين، حيث يُنتج الحرق انقطاعات درامية للسطوح والحدود والطبقات، ما يدفع النص البصري إلى حالة تأمل من خلال التدمير.
في مجموعته المعنونة "الزاوية البيزنطية" (2018 - 2023)، تحدث تلك الصدوع على شكل قطع حاد في كولاج فوتوغرافي يعكس إحدى زوايا "آيا صوفيا" في إسطنبول، وهنا يأتي التناص مع تجارب الفنان الأولى مع العمارة التاريخية في سورية. على النقيض من هذا، نرى "صندوق الألم" (2016) و"تسبيح"(2014)، وهما عملان فنيان بصريان (فيديو) يُعبّر من خلالهما الفنان عن مشاعره تجاه ما تمر به بلاده سورية، وعلاقته بالإنتاج البصري والمكاني بين المنفى والوطن، من خلال لغة بصرية مكمّلة لمقولاته السابقة، ولكن بتقنيات مختلفة.
يتضمن المعرض أيضًا أحدث أعمال علي "عَرَفتُ المنزِلَ الخالي" (2023)، والذي يعد استمرارًا لأعماله السابقة بلغة فنية معاصرة، وهو تركيب مكاني/ حيّزي، يتتبّع علي من خلاله موضوعة الأطلال والاهتراء، فيقوم بجرد العناصر المعمارية والبصرية لمبنى قصير عمرة التاريخي الذي بناه الوليد بن يزيد في القرن الثامن الميلادي في الصحراء الشرقية للأردن، والذي سُمّي "قُصير" تصغيرًا لقصر، باعتباره قد بُني بالأساس ليكون حمّامًا ومرصدًا ونُزُلًا للصيد الموسمي، لغايات المتعة والتأمل الروحاني. وقد اعتمد علي في عمله هذا على العلاقة بين علم الأعداد والتجريد الهندسي المكاني لهذا الموقع التاريخي الفريد.
يُذكر أن علي ق وُلد في الجزائر عام 1977، وتخرّج من "معهد الفنون الجميلة" في بيروت، وأكمل دراساته العليا في "جامعة برلين للفنون". أقام العديد من المعارض في الأردن ولبنان وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية.