تركت الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في أكثر من بلد عربي خلال العقد الأخير طلباً للحرية والعدالة تأثيرها الواضح في المسرح المغربي، كما غيره من المسارح العربية، ضمن موجة عروض لا يزال بعضها يُعرض حتى اليوم، ما يعني ديمومة مضامينها وأسئلتها الراهنة.
لم يقتصر التأثير على محتوى تلك المسرحيات التي اجتمعت على مناقشة استبداد السلطة العربية واحتكار نخبة فيها للثروات، إذ تجاوز الأمر نحو تغيرات أصابت بنية العرض الذي وظّف تقنيات وأساليب جديدة مثل "المسرح في المسرح"، وأخرى مستعارة من السينما، من أجل إيصال رسائله.
من بين هذه العروض كانت مسرحية "آش داني" من تأليف وإخراج عمر الجدلي، التي أُعيد عرضها أول أمس الجمعة في خريبكة وأمس السبت في آسفي، كما ستقدّم عند التاسعة والنصف من مساء السبت المقبل على خشبة مسرح "دار الثقافة" بمدينة تارودانت، وفي "المسرح الملكي" بمراكش في التاسع من الشهر المقبل.
العرض الذي يشارك فيه الممثلون عبد الرحيم المنياري ومحمد الأثير وجواد العلمي يتناول بقالب كوميدي قصة شخص أناني كان يعيش فراغه وانتظاره في محطة للقطار، والتي ستتحول، عبر الحلم، إلى مكان تعيش فيه قبيلة مغربية في أربعينيات القرن الماضي، لتتوالى الأحداث التي تسعى إلى تفكيك مفهوم السلطة وعلاقتها بالفرد.
ويقارب العمل الذي أنتجته "فرقة مسرح أرلوكان" هواجس شخصية الطاغية وتناقضاتها المتعددة، خاصة بعد مرحلة "الربيع العربي"، إذ ادعت تقرّبها من شعبها وخوفها عليه من أخطار تحدق فيها، بينما يغيب عن البلاد التي تحكمها أية ديمقراطية أو حقوق أساسية ينبغي أن يتمتع بها كلّ مواطن في العالم.
ويستعرض الجدلي مواضيع السلطة من خلال رمز الكرسي، وصراعاً بين ثلاث عقليات، ثلاثة أجيال، ثلاثة نماذج للسلطة: السلطة الديكتاتورية، والسلطة الديمقراطية، والسلطة الثالثة كما يتصورها المواطن العربي في ما بعد الربيع العربي.
كذلك يوظّف فنون التراث الشعبي المغربي ويستفيد من فن العيطة التي يستند إلى حوار شعري مبني على الارتجال والغناء الجماعي لمقطوعات شعبية تستعيد موضوع العمل نفسه، وبالمثل تم استخدام الملابس والسينوغرافيا.
يُذكر أن الجدلي قدّم مسرحية أخرى عام 2019 بعنوان "سحت الليل"، التي أضاء فيها معاناة الجنود العائدين من الحرب بجروح وأعطاب جسدية، إلى جانب المشاكل والصدمات اجتماعية التي تُصيب معظمهم، والتي تترك تأثيرها البالغ في الصراعات الداخلية التي قد لا يكون هناك شفاء منها.