عمر رشيد: اللوحة وسيلةً لكتابة تاريخ مضاد

15 سبتمبر 2022
جانب من المعرض
+ الخط -

لم يتأسّس الفن التشكيلي بناءً على مواجهة مع السلطة أو نقد لها، كما هو الحال في بعض حقول الفن والأدب والفكر (مثل الفلسفة أو حتى الرواية)، بل ارتبطت اشتغالات الفنانين، منذ البداية، بتصوير رموز الحُكم في أفضل الأحوال. بل إن قراءة لتاريخ الفن، تُعيده إلى العصور البشرية الأولى، قد تفضي أيضاً إلى الخلاصة نفسها، حيث ظلّت النقوش والرسومات والمنحوتات تصوّر الملوك والمسؤولين السياسيين وتؤبّد حضورهم وسلطتهم.

وإذا كان القرن العشرين ثورياً في مختلف المجالات، فإن هذا الأمر ينطبق أيضاً على الفن التشكيلي، الذي شهد ظهور عشرات التجارب التي صوّرت فظاعات الساسة، والحروب، بل وتهكّمت من رموز الحُكم، أو سعت إلى إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر المهمّشين.

إعادةُ كتابة التاريخ هي ما يفعله الفنان الأميركي عمر رشيد في معرضه "النظام القديم يتغيّر"، والذي يُفتَتح في "متحف الفن الحديث" بنيويورك في الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، ويستمرّ حتى الثالث عشر من آذار/ مارس من العام المقبل.

يعود الفنان، في سلسلة لوحاته المعروضة (يتجاوز عددها الثلاثين)، إلى القرن الثامن عشر بوصفه مرحلة شهدت توسّعاً استعمارياً هائلاً، وأعطت صورة مبكّرة عن الحال الذي سيصير عليه عالمنا حتى منتصف القرن الماضي على الأقل، حيث الإمبراطوريات والحكومات الغربية، من الولايات المتّحدة إلى فرنسا وبريطانيا، تستحوذ على خيرات العالم، وتستعبد سكّان البلدان المستعمرة، وتستغلّ أجسادهم ومجهودهم، واضعةً إيّاهم على هامش المجتمع والتاريخ.

من المعرض
من المعرض

ما يقوم به الفنان الأميركي، هو إعادة هؤلاء الناس المهمّشين إلى مواقعهم التي يستحقّونها كفاعلين تاريخيين جرى التعتيم على دورهم، حيث تحتشد لوحاته بعمّال وفرسان سود أو سمر البشرة، وبشخصيات تنتمي إلى حضارات وثقافات تمتدّ من إيران ومصر إلى الغابة الأمازونية، ضمن إعادة قراءة للتاريخ والجغرافية تجمع بين البشر، على اختلافاتهم الثقافية والعرقية، وتضعهم في مرتبة واحدة.

كما يُقدّم رشيد بورتريهاتٍ مضادّة لتلك التي شهدها القرن الثامن عشر، فبدلاً من الملوك وملّاك الأراضي والإقطاعيين البيض، نرى على الكراسي والعروش الأنيقة جنوداً وخدماً من ألوان وانتماءات أُخرى، غير بيضاء.

إلى جانب اللوحات الزيتية، يشمل المعرض أعمالاً قماشية، ورسوماً بالفحم ومنحوتات، وهي أعمالٌ يمنحها الفنان، في الغالب، عناوين طويلة جداً (عدّة أسطر)، في خيارٍ يُضيف على السردية البصرية التي يقترحها سرديةً كتابية تُعارض السردية المهيمنة وتخلخلها.

المساهمون