في الأساطير الإغريقية، اختطف إله العالم السفلي بيرسيفون ابنة إلهة الطبيعة بعد أن وقع في غرامها، وعاشت معه تعيسةً حتى تدخّل زيوس وسمح لها أن تخرج إلى زيارة أمها على أن تنزل إلى العالم السفلي أربعة أشهر كلّ عام. أما في الواقع، فإن تمثال بيرسيفون عاد إلى ليبيا منذ أيام بعد تهريبه إلى بريطانيا عام 2011 إثر سقوط النظام السابق.
يقدّر الآثاريون أن التمثال الرخامي المحفوظ جيدا يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وتم الاتفاق بين طرابلس ولندن على استرجاعه، وفق بيان نشرته وزارة الخارجية الليبية على موقعها الإلكتروني، حيث تم توقيع بروتوكول خاص بين القائم بأعمال السفارة الليبية في العاصمة البريطانية وبين إدارة "المتحف البريطاني" الذي احتفظ بالتمثال طوال السنوات الماضية.
وبحسب التقارير الصحافية، فإن الجمارك البريطانية طلبت المساعدة في تحديد هوية التمثال الذي استولت عليه أثناء محاولة تهريبه عبر مطار هيثرو عام 2013، وما أن رآه مسؤول الآثار اليونانية والرومانية في "المتحف البريطاني" بيتر هيوغو حتى تمّكن من معرفته ومعرفة البلد القادم منه.
تتصدر بريطانيا و"إسرائيل" قائمة الدول التي تم تهريب الآثار الليبية إليها، بحسب تقارير صحافية
وأصدرت محكمة ويستمنستر في لندن حكماً بإعادة التمثال الذي تقدّر قيمته بحوالي مليون ونصف المليون دولار إلى ليبيا سنة 2015، لكن لم يحصل ذلك إلا بعد ستّ سنوات ضمن خطّة حكومية ليبية لاستعادة أكثر من ثمانية آلاف قطعة أثرية تم نهبها خلال العقد الأخير، وجزء كبير منها يعود إلى مدينة قورينا بالقرب من برقة، والتي تعدّ من المواقع الأكثر تعرضاً للإهمال والخطر في حوض البحر الأبيض المتوسط، بسبب الترميم غير المناسب والنهب المكثف للآثار اليونانية فيها.
في عام 2018، أصدرت "مؤسسة البيرو للصحافة والبحوث" تقريراً يرصد الآثار الليبية المهربة منذ بدء الصراع الداخلي في البلاد، وتصدرت بحسب التقرير كل من بريطانيا و"إسرائيل" قائمة الدول التي تم تهريب الآثار الليبية إليها، إلى جانب إسبانيا وإيطاليا وأميركا وفرنسا.
وكان المتحف البريطاني قد أعلن حين تمّ العثور على تمثال بيرسيفون، بأنه يحتفظ أيضاً بمجموعة أخرى تنتمي إلى آثار مدينة قورينا ومنها أساور أفعى منحوتة في معصمها وتحمل دمية صغيرة ضمن مقتنياته من دون الإشارة إلى كيفية حصوله عليها، وإن كان ذلك مخالفاً للقوانين الدولية، أو أية تفاصيل بشأنها.
وتتركّز محاولات استعادة التراث التي تقوم بها الحكومة الليبية على ما تمّت سرقته بعد عام 2011، بينما لم تضع مثلها مثل معظم البلدان العربية خططاً قانونية وسياسية لاسترجاع الآثار المنهوبة التي قامت بها حملات التنقيب الأوروبية والأميركية الأولى منذ القرن التاسع عشر، حيث تحتفظ بريطانيا بالعديد من الأوابد الليبية، ومن أبرزها أعمدة مدينة لبدة الأثرية التي جلبها البريطانيون عام 1816 لتصبح جزءا من معالم المعبد الروماني في مدينة وندسور غرب لندن.