تُشكّل العودة إلى التسجيلات الموسيقية الأُولى على الأُسطوانات، نوعاً من البحث في الأرشيف، بحُكم أنّ التطوّر التكنولوجي السريع فرضَ أنواعاً جديدة على الحقل الموسيقي، خلال فترات قصيرة؛ إذ لا تلبث أن تُعتمدَ اختراعات مُعيّنة وتكونَ أساسية، حتى تظهر أُخرى أكثر تطوّراً، وهذا ما حدث منذ مطلع القرن العشرين، الذي يكاد يختلف كُلّياً من حيث التقنيات والأدوات، عمّا نحن عليه اليوم.
وعلى جهة مُقابلة، لم يكن التغيُّر في الأشكال يقتصر على أدوات التسجيل، فالآلات الموسيقية بدورها خضعت لجملة من التعديلات، ولم تعد تحتفظ بالشكل الذي كانت عليه في وقت من الأوقات. عليه، أصبح الباحثُ، وكذلك المُستمع، أمام وضعية مُركَّبة، لو توخَّى دراسة "أصول" الأنماط الموسيقية، أو المقارنة بين الأحوال التي كانت عليها.
"مع أبو بدون عِرب: آلة القانون في بداية القرن العشرين"، عنوان جلسة السمع التي تنتظم، يوم السبت المُقبل، الثاني عشر من آب/ أغسطس الجاري، في "مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربيّة"، ببلدة قرنة الحمرا اللبنانية، والمُخصّصة لآلة القانون عبر رصيد أوائل التسجيلات، ويُقدّمها العازف والباحث اللبناني غسان سحّاب.
تعود الجلسة بالمُستمعين إلى نهايات القرن التاسع عشر، أي حين ظهرت التسجيلات الأُولى في المشرق العربي. وهي الفترة عينُها، التي خضعت فيها آلةُ القانون لتطوّر كبير، ويتمثّل في إضافة الحَوامل المعدنية التي أخذت اسم "عُرب" أو "عَرَبات".
كما أنها الفترة التي تسبق بقليل بداية عصر الأسطوانات (1903)، حيث دوّنت التسجيلات أربعة عشر عازفاً على آلة القانون في مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق. وقد تبيّن من خلال الاطّلاع على هذه التسجيلات، أنّ بعض العازفين سجَّلوا بقوانين بدون "عَرَبات"، والبعض الآخر سجّل بقوانين مع "عَرَبات"، وهناك عدد من العازفين الذين سجّلوا على قوانين مع وبدون "عَرَبات".
يسعى سحّاب، من خلال هذه الحصة السمعية، إلى التعريف ببعض العازفين الذين استخدموا هذَين النوعَين من القَوانين، وبالفترة الزمنية المدروسة، كما يُقدّم بعض التحليلات للتسجيلات.