اجتذبت الحياة اليومية في عدد من المدن الساحلية في مصر، والمناظر الطبيعة حول وادي النيل، فاطمة العرارجي منذ معرضها الأول عام 1958، تاذب ضمّ أعمالاً تتنمي إلى الفترة التي أمضتها في مدينة الأقصر ضمن بعثة دراسية آنذاك.
يعتمد أسلوب الفنانة التشكيلية المصرية (1931 – 1922)، على إعادة إنتاج المشهد الطبيعي في أشكال بسيطة يتمّ التلاعب في أبعادها من أجل إبراز العمق في اللوحة بمستويات عدّة، مع اهتمام بالغ بالعنصر اللونيّ الذي تعيد من خلاله إنتاج الواقع من حولها في صيَغ وتكوينات جديدة.
"الإنسان، المكان، والزمن.. رحلة سبعة عقود" عنوان المعرض الاستعادي لفاطمة العرارجي الذي افتُتح في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الماضي، في "غاليري المسار" بالقاهرة، ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري.
تتنوّع ثيمات المعرض بحسب المراحل التي مرّت فيها الفنانة، بدءاً من اللوحات التي تعبّر عن يوميات المصريين والطبقة العاملة والصيّادين، ومروراً بأعمال تجسدّ أحداثاً سياسية واجتماعية حيث صوّرت في بعضها الدمار الذي لحق ببورسعيد خلال العدوان الثلاثي على مصر، وكذلك الانتفاضتين الفلسطينيتيّن، وانتهاءً بلوحات تتناول موضوعات الأمومة والإنسان والكون وحركة الزمن.
مع تطوّر تجربة العرارجي، نزعت اللوحة إلى تبسيط الأشكال وإعادة صياغتها برؤية جديدة بشكل تدريجي، وأخذ المشهد الطبيعي يزداد اختزالاً مع تركيز واضح على البعد الرمزي للعديد من عناصره، في ابتعاد عن المنظور الفوتوغرافي التقليدي الذي هيمن على بداياتها الانطباعية.
شكّلت الطقوس والمواسم الشعبية فضاءً في العديد من أعمالها التي تتحرّك فيها الشخصيات ضمن احتفاليات المولد وغيرها من المناسبات، أو في الأسواق، إلى جانب اهتمامها بالألعاب والفرجة داخل السيرك، وفي جميع هذه الفضاءات، تبدو العلاقة بين شخصياتها والمكان من حولهم أساساً في فهم العمل الفني الذي يمثّل من جهة أخرى وثيقة على الزمن الذي رُسم فيه.
تحضر المرأة في معظم لوحات العرارجي في محاولة لرصد أدوارها المتعدّدة، وحالاتها النفسية والشعورية، كما في لوحة "الشهيد" التي تصوّر نسوة يجتمعن حاملات جسد رجل شهيد، أو في توثيق نشاطات نساء الريف المصريات داخل المنزل أو في الحقول أو في الأعراس، وأعمال أخرى أضاءت تفاعل المرأة مع أطفالها.
كتبت الفنانة حول تجربتها: "بدأتُ هذا المسار بمحاولة للتعرّف علي السمات التي تنضح بها أَرض مصر، المطلّة علينا من خلال التراكمات الحضارية المترسّبة علي مرّ العصور، لفهم بعض أبعادها، ولقد تطلّب ذالك فترات من السعي والتساؤل والتأمل. فهذه التراكمات وأبعادها المترامية تمثّل تيّارَ التجربة الإنسانية الخَلّاقة عبر آلاف السنين، وما أبدعته من أشكاا بزغت ثم نمت وتطورت على هذه الأرض، وهي في ذالك تؤثّر وتتأثّر في توازن رصين".