فرقة "سراب": طموح كبير وأبواب صغيرة

13 ابريل 2023
كليمِن زرقان وأعضاء من فرقة "سراب" خلال حفل في ليون، بفرنسا، صيف 2022 (فيسبوك)
+ الخط -

"صرب". هكذا ترسم فرقة "سراب" اسمَها على غلاف ألبومها الجديد، "قوالبيز تايب"، الصادر قبل أيّام عن "كولور برودكشنز" في باريس. لا حيرةَ أمام رسْم الفرقة لاسمها بهذه الطريقة، وأمام عنوان ألبومها المُصغَّر (خمسُ قِطَع)، فهذا وذاك يُحيلان مباشرةً إلى صلب علاقتها باللغة العربية، وبـ الموسيقى العربية قبل ذلك. 

يكفي أن يستمع المرء إلى الألبوم، أو إلى أعمال من ألبومَي الفرقة السابقين ("سراب" ــ 2019، و"أرواح حرّة" ــ 2021)، ليفهم الأمر. إنها علاقة إعجابٍ وحُبٍّ، من بعيد، ومن الخارج، وليست بالضرورة علاقة مُلازَمة وإتقان.

نتأكّد من ذلك أكثر حينما نشاهد مؤسِّسة الفرقة (مع باتيست فيرانديس)، الموسيقية السورية الفرنسية الشابّة كليمِن زرقان، وهي تغنّي في إحدى الحفلات، أمام فرقتها المكوّنة من خمسة عازفين وتقنيّين فرنسيّين، وسادس من أصول عربية. تسيل الكلمات العربية من بين يديها كما يسيل الماء الذي لا تستطيع القبض عليه، وتنزلق الألحان في حنجرتها من دون أن تجد عُرَباً، أو انحناءات تلتقط أرباع الأصوات فيها، ودقائق النقلات بين المقامات أو أوزان الإيقاع. تعزل المغنّية الشابّة في أكثر من موضع. لكنّ هذا لا يمنعها من إكمال الغناء ومن الاستمتاع بذلك والإمتاع.

غلاف الألبوم الجديد
غلاف الألبوم الجديد

الجمهور الفرنسي مُعجَب وتصفيقه يطول. والشاغل عند الحاضرين ليس أداء الفنّانة لموشّح مثل "قلتُ لمّا غاب عنّي"، ومقارنته بالنسخة الأصلية كما ألّفها الحلبي عمر البطش، أو كما أدّتها أصواتٌ أُخرى مألوفة بالعربية. الشاغل هنا، بدلاً من ذلك، هو هذا التركيب العجيب، والجميل، الذي تقترحه "سراب"، بين ألوان من الغناء العربي ومن الجاز والروك وما بينهما وغيرهما. خليطٌ نعثر عليه، مرّة ثالثة، إذاً، في "قوالبيز تايب" (Qawalebese Tape).

يُفتَتح الألبوم باستعادةٍ جريئة لـ"زوروني كلّ سنة مرّة"، حيث تأخذ الفرقة تحفة سيد درويش (كلمات محمد يونس القاضي) إلى عوالم الروك والهارد روك، مع لمساتٍ إلكترونية هنا وهناك. بهذا تُعيد "سراب" المسعى نفسه الذي اتّخذته في ألبومها السابق، "أرواح حُرّة"، والذي افتُتح أيضاً باستعادة (تُغيِّرُ كلّ شيء تقريباً فيها) قطعة كلاسيكية مثل "ياللي شغلت البال" (ألحان محمد القصبجي، كلمات أحمد رامي وغناء أم كلثوم). 

لكنّ العمل في الألبوم الجديد، أي "زوروني"، يبقى إلى حدّ بعيد أكثر إقناعاً من سابقه، ليس فقط بسبب التعقيد الزائد في الأوّل، على مستوى اللحن وعائلاته والخلط بين الكلمات العربية والفرنسية، بل بكلّ بساطة لأنّ كليمِن زرقان تبدو مرتاحةً أكثر في أداء أغنية مؤلّفة على العجَم مثل "زوروني"، وهي التي تلقّت تكويناً موسيقياً غربياً (درست البيانو في سورية وفرنسا).

هذا التجريب على عمل سيد درويش يمهّد للمقطوعات الثلاث التالية، وهي من تأليف أعضاء في "سراب" وغناء زرقان: "كوين راست"، و"صمت"، و"إنتا". أمّا آخر القِطَع في الألبوم، فهدهدة وإلقاء لنصٍّ للشاعرة السورية المقيمة في فرنسا مرام المصري، بعنوان "أُريد أن يعْلَم العالَم". نصٌّ بلمسات نزار قبّانية، وبإلقاء يذكّرنا مرّة أُخرى بأننا هنا إزاء صوتٍ يراهن على حبّه للعربية وموسيقاها أكثر من رهانه على إتقانهما.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون