في الرابعة عشرة من عمره، أراد فرناندو بوتيرو أن يصبح مصارع ثيران وراح يرسم مشاهد الحلبة بالألوان المائية، ليفاجأ ببائع تذاكر عروض هذه الرياضة يشتري رسوماته مقابل دولارين لكلّ منها، ومن شدّة فرحه أضاع ما حقّقه من إيرادات من فنّه لأوّل مرّة.
لم يتوقّع الفنان الكولومبي (1932) آنذاك أن لوحاته ومنحوتاته ستُباع بعد ذلك بالملايين، رغم أنه لم يتنازل عن تعبيره عن آرائه حول العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية؛ مثل رفضه انتهاكات قوّات الاحتلال الأميركي ضدّ معتقلي سجن أبو غريب في العراق، والذي عبّر عنه في ثمانين عملاً عام 2005.
"بوتيرو: 60 عاماً من الرسم" عنوان المعرض الاستعادي الذي انطلق في السابع عشر من الشهر الماضي في "سنترو سنترو" بمدريد، ويتواصل حتى السابع من شباط/ فبراير المقبل، ويجمع سبعةً وستّين عملاً تُغطّي جميع مراحل تجربة الفنان الكولومبي.
في الستّينيات، كان الهمّ الأساسي بالنسبة إليه تناوُل الدكتاتوريات العسكرية التي حكمت أميركا اللاتينية، وكذلك المخدرات وما ارتبط حولها من عنف وحروب في بلاده، في فترة كان يدفع الفنانون والكتّاب ثمن مواقفهم المعارضة للاستبداد.
رؤية تبنّاها بوتيرو منذ كان طالباً في الثانوية حيث كتَب مقالاً عن بيكاسو ونشره في إحدى الصحف المحلية، وجاء فيه أنّ تدمير الأشكال في التكعيبية يعكس تدمير الفردية في المجتمع الحديث، وفق فهمه الماركسي، فكانت النتيجة أن طُرد من المدرسة أمام الجميع، حيث أخبره المدير أن لا مكان لـ "التفاح الفاسد" في مدرسته.
مُصرّاً على "فساد" أفكاره الذي اعتبره مصطلحاً يشير إلى "ماكارثية" حكمت أميركا اللاتينية عقوداً لا الولايات المتحدة فقط، وفق تصريحات صحافية، واصل الرسم حتى فاز بجائزة فنية وطنية بقيمة 7000 دولار، وقرّر حينها الانتقال إلى أوروبا؛ حيث أقام ثلاث سنوات أمضاها في القراءة وزيارة المتاحف الفنية.
يتضمّن معرضه هذا سبعة أقسام، تتوافق مع أكثر المواضيع المميّزة لعمله، والتي ترتبط بفنّه ودراسته المستمرّة للموضوعات الكلاسيكية لتاريخ الفن. الموضوع الرئيسي في تجربته الفنّية كان قارّته بما عاشته من عنف وطغيان وكوارث طبيعية، كما شكّل الدين ومصارعة الثيران والسيرك مواضيع ظلّ يجرّب في أدواته وتقنياته المستخدمة في تقديمها، وفي مقدّمتها الألوان المائية.
تمتزج مرجعيات عدّة لدى بوتيرو لتصنع لوحته، بدءاً من الفن القوطي والطبيعة الصامتة كما رسمها الفنّانون الهولنديون خلال القرن السادس عشر، إضافة إلى تأثّره بـ غويا ودورر وفيلاثكيث، وصولاً إلى رسّامي الجداريات المكسيكيّين في القرن العشرين، والتي ألهمته الأجسادَ الكبيرة التي يرسمها بأحجام مبالغ فيها ومنحوتاته التي يصنّعها من راتينغ الأكريليك ونشارة الخشب.