في عام 1910، أطاح الشعب المكسيكي بديكتاتورية بورفيريو دياز، المستبد الذي حكم البلاد لعقود. أعقبت ذلك سنوات من العنف والحرب الأهلية والاغتيالات قبل أن تستقر البلاد بعد عشرة أعوام، في ظل حزب ثوري نما تدريجياً، قبل أن يصبح أكثر تراتبية واستبدادية.
يتم تذكر الثورة المكسيكية إلى حد كبير من خلال جدارية دييغو ريفيرا التي صورت الثورة كحدث غني بالألوان، كثيفًا ومليئًا بالناس، ولكنه مصمم بشكل صارم مثل مشهد في مسرحية تراجيدية. ولكن إذا ما نظرنا عن كثب إلى الجدارية، نجد أن الفلاحين الريفيين والعمال الصناعيين والمقاتلين الثوريين لا يتمتعون بشخصية واضحة، وجوههم، إذا تمكنا من رؤيتها، فارغة وخالية من التعبيرات، غير أنها مجموعة تجسد الأعراق والإثنيات في المكسيك أكثر مما تجسد أشخاصاً لا بد من إبراز شخصياتهم.
جسد الفنانون الذين عاشوا الثورة وما بعدها الحداثة المكسيكية، كانوا يبحثون عن طرق جديدة تتجاوب مع تشكلات الحياة العامة الجديدة، والتحولات الاجتماعية والثقافية في البلاد، فمثلها مثل كل الثورات العالمية ارتبطت الثورة المكسيكة بالفن والفنانين ومن بينهم ريفيرا، وخوسيه كليمنتي أوروزكو، وفريدا كالو، وألفريدو راموس مارتينيز، وديفيد ألفارو سيكيروس.
تحت عنوان "تصوير الثورة المكسيكية"، ألقى مؤرخ الفن غرانت جونسون، الزميل في جامعة جنوب كاليفورنيا، محاضرة افتراضية مؤخرًا نظمها متحف "ويتني للفن الأميركي" في نيويورك، بمناسبة مرور قرن على تلك الثورة، من خلال الفنانين الذين قبضوا على روح تلك اللحظة، خاصة أولئك الذين لم يسقطوا في السياسة مع القومية الضيقة التي كانت تمثل الجانب المظلم للثورة.
ذكر جونسون كيف أن الفن الذي تم صنعه خلال فترة الثورة، من أواخر سنوات نظام دياز وحتى عقود من الجهود "لإضفاء الطابع المؤسسي على الثورة من عشرينيات القرن الماضي إلى أربعينيات القرن الماضي، شمل مجموعة واسعة من الأساليب والتقنيات؛ وتناول في محاضرته فنانين يكافحون من أجل إنشاء هوية مكسيكية مميزة مع الانخراط في نفس الوقت مع ابتكار الحركات الفنية الرائدة في أوروبا"، وفقاً لما شرح المحاضر.
ورغم أن ريفيرا قد يكون أشهر فناني الثورة المكسيكية لكنه كان مثل إسفنجة سريعة التاثر بالأساليب الأوروبية، بل إن العناصر المكسيكية في بعض أعماله تبدو الأكثر سطحية، وهذا واضح جداً في لوحة البورتريه التي أنجزها للروائي والصحافي لويز غوزمان مثلاً.
ذكر المحاضر كيف "لم يكن تشكيل الهوية المكسيكية مجرد مشروع جمالي؛ كافح الفنانون ليعبروا عن التعريف السياسي الأكبر لما يعنيه أن تكون مكسيكيًا وماذا ستصبح المكسيك كأمة".
كان الناس يرون أنفسهم في ضوء جديد، ويرون أشخاصًا آخرين من حولهم لأول مرة. لذلك هناك أعمال مثل "نساء المايا" لروبرتو مونتنيغرو عام 1926 ، حيث يتم تضخيم ملامح الوجه العرقية وتجميع النساء على خلفية مسطحة من أكواخ الفلاحين.
أدى اكتشاف الذات أيضًا إلى ثورات أصغر للهوية، في التحرر وطبيعة العلاقات الاجتماعية والحميمية بين الرجال والنساء، فعرف الفن المكسيكي توجهاً جديداً في التعبير عن الحميمي والذاتي في الفن إلى جانب الثوري والنضالي في الجانب العام، ومن أبرز هؤلاء أبراهام أنخيل، ورودريغيز لوزانو.