خلال الأسبوع الماضي، زارت وزيرة الثقافة التونسية حياة قطاط القرمازي مدينة تطاوين (أقصى جنوب البلاد)؛ وإضافة إلى زيارتها لعدد من مؤسّسات الخدمات الثقافية، أعلنت أنّ من المقرّر أن يبدأ إعداد ملفّ القصور بتطاوين لإدراجه على قائمة التراث الطبيعي والثقافي العالمي لـ"يونسكو".
نظراً لقيمتها التراثية والجمالية، لا يمكن الاختلاف في أحقّية قصور الجنوب التونسي، لكنْ هل تستند هذه الخطوة إلى دراسة واستراتيجيات حقيقية كي تؤدّي إلى النتيجة المرغوبة، أم سيكون مصير هذا الملفّ مثل ملفّات سابقة راهنت عليها الدولة التونسية ولم تصل إلى إرضاء لجنة "يونسكو"؟ آخر تلك المحاولات غير الناجحة ملفُّ جزيرة جربة الذي يحمل خصوصيّات قريبة من ملفّ قصور تطاوين، والذي لم تُضعف فرَصَه القيمةُ التراثية للجزيرة، بل التلوّثُ البيئي وفقر البنية التحتية الثقافية فيها.
غالباً، سيقع ملفّ القصور في نفس المطبّات، فالجنوب التونسي من أكثر المناطق التي تجاهلتها مخطّطات التنمية لدولة الاستقلال، بل لعلّ وضعيّتها أعقد من ملفّ جربة، كونها منطقة حدودية مع ليبيا، غير المستقرّة، ناهيك عن أنّ المنطقة تمثّل فضاءً للاحتجاجات الاجتماعية بشكل متواتر. ولولا الروح الاستكشافية لدى شريحة من السيّاح الذين يبحثون عن تجارب تختلف عن العرض الفندقي، ربما لم تكن الدولة لتلتفت إلى المنطقة. كذلك، ساهم تصوير مشاهد من الفيلم الشهير "حرب النجوم" بالقرب من تطاوين في إشهار بعض صور المنطقة، ومنها قصورُها.
الأَوْلى أن يجرى ترميم المواقع لأنّها تراث شعبي قبل أن يكون عالمياً
لا ينبغي أن نأخذ القصور في تطاوين بمعناها المتعارَف، فهي ليست مبانيَ فخمةً وباذخة، بل، على العكس، في غاية التقشّف؛ لكنّها تقدّم خصائص هندسية فريدة. القصور هي عبارة عن مساكن ذات طوابق مبنيّة داخل الحجارة الجبلية أو من مادّتها، وكان سكّان المنطقة يعتمدونها للسكَن أو لتخزين المواد، وعادةً ما ينتظم هذا التخزين تحت إشراف سُلطةٍ قَبَليّة.
صحيحٌ أنّها اليوم مرتبطة في الذهنية العامة بصوَر السيّاح، لكنّ القصور تظلّ في معمارها منشآتٍ وظيفية، وهو بُعدٌ لا يبدو حاضراً في تصوّرات وزارة الثقافة التي تنزع إلى الدفع نحو تطوير الجانب السياحي على حساب كلّ شيء، في حين أن الأدوار التي لعبتها القصور تمثّل في حدّ ذاتها تاريخاً ثقافياً ثريّاً وممتدّاً، لو جرى الاهتمام به وتثمينه، فيمكن أن يمثّل ورقة رابحة أخرى لملفّ المنافسة من أجل موقع قائمة التراث الطبيعي والثقافي العالمي لـ"يونسكو".
خلال زيارتها لقصرَيْ "أولاد سلطان" والحدادة" في تطاوين، أعلنت الوزيرة بدء دراسات مشروع ترميم هذين المعْلَمَيْن، لكنْ بأيّة رؤية معمارية وتوظيفية سيجرى هذا الترميم؟ تلك هي النقطة التي تنبغي مناقشتها بشكل جيّد، لأنّ كلّ الخطوات الأخرى ستترتّب عليها. كما أنّ من الأَوْلى أن يجرى ترميم هذه المواقع من منطلقِ كونِها تمثّل جزءاً لا يتجزّأ من التراث الشعبي، وليس باعتبارها حصانَ رهانٍ جديد لبلوغ قائمة التراث الطبيعي والثقافي العالمي لـ"يونسكو".