يعدّ الباحث الفرنسي فنسان جوف أحد أبرز منظّري الرواية، حتى أن نظريته التي تعرف بـ"أثر الشخصية" تعتبر المقاربة الأكثر تطوّراً لدراسة هذا العنصر الأدبي. نجاح هذه النظرية يعود إلى تركيز مبكّر لجوف - من تسعينيات القرن الماضي - على إشكالية الشخصية الأدبية، لكنه في المقابل كان يُظهر فهماً لكل مكوّنات العمل الإبداعي، وفي هذا الإطار كان كتابه المرجعي "شعرية الرواية".
في عمله الأخير: "قوى التخييل"، والذي صدر بالفرنسية عام 2019، يبدو جوف وقد قرّر أن يتخذ سلّماً أكبر لفهم الظواهر الإبداعية، حيث يحاول أن يفهم الأسباب البعيدة للعلاقة المتطوّرة التي باتت تربط الجمهور بالسرديات، من الرواية إلى المسلسلات التلفزيونية أو تلك التي تقترحها المواقع الإلكترونية.
الأسئلة الأساسية التي يتصدّى لها المنظّر الأدبي الفرنسي في هذا الكتاب، هي: من أين تأتي قوة جاذبية الحكايات؟ وما الذي يبحث عنه الإنسان حين يفتح رواية ليقرأها أو يذهب لمشاهدة فيلم؟ ولماذا صارت الرواية الجنس الأدبي المهيمن منذ بضعة عقود؟
مؤخراً، صدرت عن منشورات "دال" النسخة العربية من كتاب "قوى التخييل" بترجمة الكاتب المغربي شكير نصر الدين. ولعلّنا هنا نلاحظ الفارق الزمني الصغير بين صدور العمل في لغته الأم وظهور ترجمته العربية، وهو ما قد يكون مؤشراً إلى تقليص الفارق في وصول الكتابات النظرية حول الأدب من لغات العالم إلى ثقافتنا العربية.
من أبرز ما يقدّمه الكتاب من الزاوية النظرية تفكيك المؤلف لمفهوم الاهتمام، حيث يجعل له ثلاثة أبعاد، هي: الانتباه وحب الاطلاع والقيمة، ومن ثمّ يبيّن تفاعل هذه الأبعاد في ما بينها لخلق الارتباط بين الكائن البشري والحكايات.
ومن الملاحظات الرشيقة التي يسوقها الكتاب هي أن الاهتمام بالسر لا يمكن أن يتحقّق ما لم يكن في الحكاية منسوب من اللامتوقع، كما يشير إلى ضرورة تطعيم السرد ببُعد عاطفي حتى يُشبع القارئ المعاصر ببعض ما يفتقده في حياته اليومية، ففي النهاية لا تأتي الحكايات، في الرواية أو في التلفزيون أو في المسرح، إلا لكي تحرّك في النفوس.