تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه. "قد يكون هناك من ستة إلى اثني عشر كاتباً موهوباً بالفطرة في أي ثقافة في زمن واحد. ولكن أين يذهب كل الكتّاب الباقين؟"، يقول الشاعر والأنثروبولوجي لـ"العربي الجديد".
■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- الولايات المتحدة الأميركية بلد مترامي الأطراف. إذا أردنا الحديث عن الثقافة في هذا البلد، يجب علينا مناقشة الجغرافيا، وتقسيم الولايات، والأعراق السكانية، والتعليم بكل مستوياته من التعليم الأساسي حتى التعليم العالي، وعالم النشر من دور النشر الكبرى حتى دور النشر الصغيرة، وجميع الفنون المتنوعة دون أن ننسى المتاحف والمعارض الفنية، إلخ. قد يستغرق الأمر شهراً كاملاً لتقديم مثل هذا المشهد. ولكنني، بصفتي باحثاً في الإثنوغرافي، فقد اتجهتُ للتعرف إلى بعض السكان الأميركيين الأصليين في كل من الولايات المتحدة وأميركا الوسطى. وقد كان تأثيرهم هائلاً عليّ.
■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
- لا يمكنني أن أنصح القراء إلا بالاطلاع على العديد من الكتب والمقالات والتعليقات التي نشرتها (والموجودة على شبكة الإنترنت). يمكنني البدء بكتاب "التناقضات الجميلة" The Beautiful Contradictions (كيب جوليارد، لندن، 1969؛ راندوم هاوس، نيويورك 1970؛ نيو دايركنشن، نيويورك 2013).
■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- عودة إدارة الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه قبل ترامب، وإعادة بناء العلاقات الودية مع الدول الأخرى، واستيعاب أن سكان الولايات المتحدة يعيشون معاناة كبيرة جراء نقص التعليم، وعدم توافر الرعاية الطبية للجميع. أما بالنسبة إلى العالم، فأن تستمر كل هذه الأعراق والإثنيات بالحياة والتعايش، ولكن مع إلغاء الحدود الوطنية (كما يمكن أن نرى في أعمال الكاتبة أرونداتي روي). وأخيراً إنهاء الكارثة العالمية للهجرة واللاجئين.
لا بد من الاعتراف بعالمية الشعراء تماماً مثل الموسيقيين
■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها، وما أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
- أنها تعيش على افتراض أنها "ديمقراطية"، ولكن "هذه الديمقراطية" اندثرت مع اليونانيين القدامى، الذين كانوا يمتلكون العبيد أيضاً. تحتاج هذه الثقافة اليوم إلى التخلّي عن فكرة أنها "الدولة الأفضل والأعظم"، وإلى إعطاء الأولوية للتعليم على الدين، والقضاء على العنصرية الممنهجة، وإصلاح جميع السجون، وإلغاء حق امتلاك السلاح، وترويض فاحشي الثراء (فالعمل الخيري لا يكفي)، وإنشاء وزارة للثقافة، إلخ.
■ إذا كنت ستبدأ من جديد، فما المسار الذي ستختاره في الحياة، وما هي الخيارات الأخرى التي ستختارها؟
- لدينا الكثير من الأطباء في العائلة. قد أختار أن أكون طبيباً لأكون مفيداً للآخرين. أمّا إذا كان التغيير الذي تقترحه تغييراً كاملًا، أود حينها أن أكون طائراً، لأصبح في نهاية الأمر طبيباً طائراً.
■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- يستحيلُ الحديث عن التغيير بدون التغيير الكبير الوحيد الضروري: إنقاذ مناخنا وكوكبنا وجميع الكائنات والمخلوقات التي تعيش فيه. ولا بُدّ أن تُرفَعَ الصلوات وفروض العبادة للإلهة غايا، من بين جميع الآلهة الأخرى، وهي إلهة الأجداد الأم عند الإغريق القدماء، والتي ينبغي أن ننقذها ونخدمها. ينبغي إنفاق الثروات على شيء كهذا، وليس على تطوير كل هذه العبودية التكنولوجية.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- دانتي أليغيري وويليام شكسبير وويليام بليك شعرائي الثلاثة الكبار المفضلون.
■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- لحرية للجميع وليس للكتّاب فقط. أمّا في ما يتعلق بـ"الكتابة عموماً"، فما يقلقني هو الانفجار العددي الهائل للكتّاب الشباب الذين ينتجهم قطاع "الكتابة الإبداعية" العالمي. لطالما كان الانفجار العددي هذا يمثّل خطراً على كل الأصعدة، فلا توجد وظائف كافية للجميع سوى وظائف الكتابة الإبداعية وحسب. قد يكون هناك من ستة إلى اثني عشر كاتباً موهوباً بالفطرة في أي ثقافة في زمن واحد. ولكن أين يذهب كل الكتّاب الباقين؟
■ ما هي قضيتك، وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- أنا أؤيد الكفاءة والموهبة الغريزية التي يتمتع بها الكتّاب الموهوبون، والتي يكتسبونها ويطورونها من خلال القراءة الكثيفة مدى الحياة، والتعليم الذاتي الذي لا يتوقف لحظة، والتأمّل والتساؤل. أيضاً: القبول بأن الشاعر لا يمكنه، كشاعر وحسب، إنقاذ العالم بنفسه.
يحزنني أنني لم أتعلّم العربية لقراءة أعمالها الكلاسيكية
■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- بسبب الثروة المتزايدة باستمرار والتي تمنحنا إياها أنشطة الترجمة، أعتقد أنه لم يعد من المجدي حصر الشعراء في الجنسية. فإذا كنتُ شاعراً حقيقياً، فلستُ "شاعراً أميركياً"، أو "شاعراً بريطانياً"، أو "شاعراً فرنسياً" (على الرغم من أنني كنت يوماً كل هؤلاء)، ولكن لا بد من الاعتراف بي كـ"شاعر عالمي"، تماماً مثل الموسيقيين والفنانين. يضعنا الوسيط الذي نستخدمه للتعبير عن أنفسنا (اللغة) ضمن سلسلة طويلة جداً من الكتّاب.
■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
- أنا لغتي.
■ كاتب منسيّ من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- أتحدث ثلاث لغات: الفرنسية والإنكليزية والإسبانية. وأعرف جيداً بعض اللغات الأخرى: الروسية، والألمانية، والمايا، والبورمية، والباليّة. لذلك ليس لدي "ثقافة" بالمعنى المتعارف عليه. ولذلك، لا يمكنني هنا اختيار كاتب واحد.
■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، فكيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- شخصٌ جيّدٌ ومطّلعٌ حاولَ أن يكون صادقاً وأن يتمتّع بشيء يستحقُّ أن يُعلّمَه للآخرين.
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- أريد أن أستمر في التعلّم حتى النهاية. لقد كنت محظوظاً كإثنوغرافي بزيارة أصفهان وإسطنبول والقاهرة وفاس وتاج محل وبخارى وسمرقند وغيرها الكثير. أود بالطبع رؤية المزيد من الحواضر. لكنّ ما يحزنني حقاً، أنني لم أتعلّم اللغة العربية لقراءة الأعمال الكلاسيكية العربية. سأعمل على تحقيق ذلك في حياة أُخرى.
بطاقة
Nathaniel Tarn شاعر وأنثروبولوجي ولد في باريس عام 1928. درس في جامعات كامبريدج والسوربون وجامعة شيكاغو، وحصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ليصبح بروفيسوراً في دراسات جنوب شرق آسيا، وفي الأدب في كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية وفي اتحاد جامعات برنستون وبنسلفانيا وروتجرز. نشر واحداً وثلاثين كتابًا شعريًا وغيرها الكثير من الإصدارات. من أحدث إصداراته: المجموعة الشعرية "الهولدرليني" (نيودايركشنز)، وترجم عن الفرنسية كتاب "قصائد مختارة للشاعر جان بول أوكسيميري" (يو كونيتيكت) - إبريل/ نيسان2021، وكتاب "أتلانتس: الأنثروبولوجيا الذاتية" مطبوعات جامعة ديوك- خريف 2021. يقيم في مدينة سانتا فيه في الولايات المتحدة.