عن الزّمانِ المُتَناهي تخلَّيْنا
ما شأنُنا وماءُ الحياةِ فنحنُ عن روحِنا تخلَّيْنا
أعطينا جواهِرَنا للصّيارفةِ وعن المعادنِ تخلَّيْنا
أنا التّاجرُ الذي لم يتوخَّ مَكْسَبًا
لَمْ نعبَأْ بالخسائرِ وعن الأرباحِ تخلَّيْنا
عارِفُو هذا الطريقِ لا يروِّجون المَتاعَ
نرحلُ هكذا عُراةً وعن الدّنيا تخلَّيْنا
عرفتُ أنَّ الكُفْرَ والإيمانَ حِجابانِ
صَفَوْنا مع الحقِّ وعن الكُفرِ والإيمانِ تخلَّيْنا
قبلَ أن يحينَ الضُّحى بظُنونِ مائةِ ألفِ عامٍ
تخلَّيْنا عن آمالٍ لا تنتهي وعن الشُّكوك تخلَّيْنا
كيف لهذا الزمانِ المُتَناهي أن يُقْنِعَ يونُسَ
صادَفْنا زَمَانًا لا نِهائِيًّا وعن الزّمانِ المُتَناهي تخلَّيْنا
■ ■ ■
لا مستقَرّ لي هنا
لا مستقَرّ لي هنا، من أجْلِ أن أعودَ ثانيةً أتَيْتُ
أنا تاجرٌ ذو سِلَعٍ كثيرةٍ أبيعها لمَن يشتريها لذلك أتَيْتُ
لَمْ أَقْدمْ إلى هنا للعِراكِ وإنّما من أجْلِ الحُبِّ قَدِمْتُ
القلوبُ بُيوتٌ للحَبيبِ ومن أجل بِنائِها أتَيْتُ
جُنوني من نَشوةِ الحبيبِ لا يعرفه إلّا العُشّاقُ
أفنَيْتُ ثُنائِيَّتي ومِنْ أجْلِ الأحَدِيّةِ أتَيْتُ
هو سُلطانٌ وأنا عبدُهُ بُلْبُلُ روضِ الحَبيبِ
أحِبُّ أن أشدُوَ في حديقةِ مولايَ لذلك أتيتُ
إنْ تعارَفَت الأرواحُ هنا تَعارَفتْ هناكَ
من أجْلِ معرفةِ الحبيبِ وعَرْضِ حالي لهُ أتَيْتُ
يقولون إنَّ يونُس أمْرَة قد عَشِقَ ومن داءِ العِشْقِ هَلَكَ
كَيْ أهَبَ عُمْري للمُرشِدِ الحَقِّ إلى بابِهِ أتَيْتُ
■ ■ ■
سَلَبَني منّي عِشقُك
سَلَبَني مِنّي عِشقُك لا أحتاجُ سِواكَ
أحتَرِقُ ليلًا ونهارًا لا أحتاجُ سِواكَ
لا أفرَحُ بالوجودِ ولا أتأسَّف على العَدَمِ
أتسلَّى بعشقكَ لا أحتاجُ سِواكَ
عِشْقُكَ يقتُلُ العاشقين ويَغْمِسُهم في بَحرِ اللوعةِ
يُحِيطُهُم بالتَّجَلِّي وبالفَيْضِ لا أحتاجُ سِواكَ
أودُّ أن أشربَ من رَحيقِ العِشقِ فأصيرَ مجنونًا في الجِبالِ
أنتَ في بالي في غَدَواتي ورَوْحاتي لا أحتاجُ سِواكَ
كلُّ صوفِيٍّ بحاجة إلى الصُّحبة وكلُّ أخٍ إلى الآخِرةِ
كلُّ مَجنونٍ بحاجةٍ إلى لَيْلى أمّا أنا فلا أحتاجُ سِواكَ
إذا ما قَتَلوني وذَرَوْا رَمادي في السَّماءِ
سيَقولُ تُرابي صارِخًا لا أحتاجُ سِواكَ
ما سمّوهُ جَنّةً عددٌ من القُصورِ والحُوريات
أَعطِها لمن يرغَبُ لا أحتاجُ سِواكَ
يُنادونَني يُونسَ وتزداد ناري يومًا بعدَ يومٍ
أنتَ مقصودي في الدّارَيْنِ لا أحتاجُ سِواكَ
■ ■ ■
العِلْمُ معرفةُ ذاتِك
العلْمُ معرفةُ العُلومِ ومعرفةُ ذاتِك المتعلِّمِ
لو لمْ تعرفْ ذاتَك فما الجدوى في التَّعَلُّمِ
ما معنى قراءةٍ لا توصِلُك إلى معرفةِ الحَقِّ
وقراءَتُكَ دونَ المعرفةِ جُهدٌ أصيبَ بِالسَّقَمِ
لا تقُلْ تعلّمتُ وعرَفْتُ ولا تقُلْ صَلَّيْتُ
إذا لمْ تعرفْ واصِلَ الحقِّ ما جَدوى التَّرَنُّمِ
فمعاني الكتُبِ الأربعةِ تتجلّى في الألِفِ
إذا كنتَ لا تُدْرِكُ الألِفَ ما فائدةُ هذا العِلْمِ
تنطُقُ الألفباء بحُروفِها التِّسْعة والعشرين
أتَدْري معنى الألِفِ بعدَ أنْ نَطقتَها بتناغُمِ
يقول يونُس أيّها الشَّيخُ قد تَحُجُّ ألفَ مرَّةٍ
لكنَّ الأفضلَ أنْ تَلِجَ في القَلبِ المُهَشَّمِ
■ ■ ■
أيّها الحَبيبُ أحبُّك
أيّها الحَبيبُ أحبُّك في روحي لك مَجالٌ
لا أطيق النّومَ ليلَ نهارَ لي من العَجَائبِ أحوالٌ
إذا ناولتَ الوردةَ لا تلمسْ شوكَها
لا تخَفْ من أعدائِك لَكَ من الأحِبَّةِ حِبالٌ
يسألُني أعدائي مِنْ أين لَكَ بِهذا الكلامِ
لا تسألوا مِنْ أين يأتي كلامي من أستاذٍ لي مِثالٌ
أنفِقْ كلَّ ما تملكُهُ للفقراء والمساكين
الدّنيا لا تُبقي عندها أحدًا وللموتِ أشكالٌ
مَن رَحَلَ بمُفرَدِهِ بَقِيَ وحيدًا في الطريق
أحتاجُ باللهِ إلى رَفيقِ دَرْبٍ سِيّانِ نَملةٌ أو غزالٌ
يا يونُسُ نَفْسُك عاجِزةٌ فانْثُرْ على وجهِك ترابًا
بين المعشوقِ ودَرْوَشةِ العاشِقِ ليستْ إلا أمْيالٌ
* ترجمة من التركية: محمد حقّي صوتشين، والقصائد من مختارات تصدر هذه الأيام عن "معهد يونس أمرة" في أنقرة