على مضَضٍ، كانوا يجلسون بصمتٍ، ويتناولون الطعام في إحدى الزوايا. دخل الحارس قائلاً:
- "لديك زائر يا كريم أفندي".
نهض كريم وغادر العنبر مع الحارس. والآخرون ينظرون من خلفه، قال محمود:
- "إبانينة هي التي جاءت، مَن سيكون غيرها؟"
في غرفة المدير، كان يجلس منير والمحاميان ماجد وعارف على الكراسي الجلدية. استداروا عندما أدخل الحارسُ كريم إلى الغرفة. نهض منير من مقعده وأشار إلى كريم قائلاً:
- "تعال يا كريم. اجلس".
هزَّ كريم رأسه لمن في الغرفة ثم جلس. أخرج منير علبة سجائر ومدَّها نحوه قائلاً:
- "أشعِل سيجارة".
- "شكراً لن أشرب".
- "احرق واحدة، هيَّا".
أخذ كريم من منير سيجارة، وأشعل منير سيجارته بولّاعة مُثيرة للانتباه وهو يبتسم لكريم قائلاً:
- "هل عَقِلتَ أم لا؟".
واصَل منير حديثه بأبوية:
- "إنه الشباب، تحدثُ فيه مثلُ هذه الأشياء".
ثم أصبح صوتُه جادّاً فجأة، وبدا حزيناً وقال:
- "لكنّ القانون لا يعرف الشباب".
بعد صمت قصير، واصل:
- "سوف تتعفَّنون في السجون لسنوات. يا للحسرة!".
ثم قال مرة أُخرى، بعد وقفة:
- "سيخبرك المحاميان الآن بأن هناك طريقة واحدة فقط للخروج من هذه الورطة".
استدار منير ونظر إلى المحاميَين. قال ماجد:
- "المادة 434 من قانون العقوبات تفتح لكم باباً".
ثم قال المحامي عارف:
- "إذا تزوّج أحدكم من الفتاة فسوف تُرفَض الدعوى".
بعد صمتٍ، قال منير مرّة أُخرى:
- "كما تعلم، أردوغان هو ابن أختي، لكني أحبك بشكل مختلف. سليم، وفورال، وأردوغان ما زالوا طلّاباً، ولن نحسب محمود رجلاً".
قلنا: "أنت الوحيد الذي يمكنه التعامل مع هذه المهمّة بطريقة رجولية".
شعر كريم بالذهول، وأخفض منير صوته، وقال وكأنه لا يريد أن يُسمِع المحاميَين:
- "الزواج على الورق فقط. اخرجوا الآن من هنا وسيكون الباقي سهلاً".
ارتبكتِ العيون المُثبَّتة على كريم، وقال منير:
- "أنت شاب عاقل، فكِّر طويلاً وبجدّية. إما تتعفَّنون جميعاً هنا أو...".
بدا وجهُ كريم وكأنّه يحترق. لم يجد ما يقوله، وعندما أراد التحدُّث لم يسمحوا له، وقالوا لا تتعجّل الآن، ولكي تفكّر بشكل جيّد، سوف يضعونك في غرفة بمفردك، وعندما تتّخذ القرار أرسل رسالة إلى منير من خلال الحارس.
***
كان أردوغان وسليم وفورال وبالأخص محمود يفكِّرون في كريم منذ أيام. سألوا الحرّاس لكنّهم لم يتلقَّوا أيّ جواب. إلى أين أخذوا كريم؟ كان أردوغان في قمة الفضول، ومحمود في قمة القلق. عند الظهيرة دخل الحارس العنبر وقال:
- "هيا استعدِّوا".
تبادلوا النظرات ولم يفهموا ما يحدث. ثم قال الحارس:
- "ستخرجون".
قالوا:
- "لا تسخر منا".
- "لا لا، ليست سخرية، ستخرجون حقاً".
قفز سليم من مكانه واقترب من الحارس قائلاً:
- "حقاً يا نوري أفندي؟".
- "والله ستخرجون".
هتف أردوغان بفرح:
- "إيه... هذا يعني أن أهلنا تمكّنوا من خداع الفتاة!".
ضحك ساخراً ثم فركَ سبَّابَتَه بإبهامه في إشارة إلى النقود.
كانوا يقفزون من الفرح ثم قال الحارس:
- "ليستِ الفتاة، لقد خدعوا صديقكم".
ثم عدَّل كلامَه قائلاً:
- "أقصد أنه وافق".
نظر إليه الشباب ولم يفهموا ما قال ثم اقتربوا منه وسأل فورال الحارس:
- "وافق على ماذا؟".
- "كريم أفندي سيتزوّج من الفتاة، وستسقط القضية".
استعدِّوا، ستخرجون بعد قليل. اندهشوا جميعاً وسأل أردوغان:
- "هل سيتزوّج؟".
قال محمود:
- "مَن هذه الفتاة؟".
قال الحارس:
- "ستُجهَّز الأوراق بسرعة البرق".
في حيرة من أمرهم، تجمَّدوا ونظروا طويلاً إلى بعضهم البعض.
***
في قاعة المحكمة، دخل منير مُسرعاً وأعطى ورقة النكاح لموظّف الزواج الذي ألقى نظرة سريعة عليها، ثم التفتَ إلى كريم وفاطمة غول الجالسَين أمامه جنباً إلى جنب. كان منير والمحامي عارف شاهَدي النكاح: منير للعريس، وعارف للعروس. سأل الموظّف فاطمة غول أولاً:
- "فاطمة غول حَصيرجي، هل تقبلين طواعية بكريم سونغور زوجاً لكِ، دون الوقوع تحت أي تأثير؟".
بقيت فاطمة غول، بوجهها المتعَب المؤلِم، وكأنّها لم تسمع للحظة. يبدو أن منير شعر بالقلق عندما تأخَّرت إجابتُها. نظر الموظّف مرّة أُخرى إليها، وكرَّر:
- "فاطمة غول حصيرجي".
استعدّت فاطمة غول كأنها استيقظت فجأة. وهزَّت رأسها بصوت منخفض قائلة:
- "نعم، أقبَل".
واصل الموظَّف:
- "أنت كريم سونغور، دون الوقوع تحت أي تأثير، وبإرادتك".
بدا كريم وكأنه يمزح وهو يقول:
- "نعم، أقبَل".
تم زواجهما... نظر القاضي بحدَّة إلى فاطمة غول وكريم الواقفَين أمام الطاولة ثم قال لكريم:
- "يمنع القانون أن تُطلِّقها لمدة خمس سنوات يا كريم، أنت تعلم هذا أليس كذلك؟".
هزَّ كريم رأسه وكأنه لا يهتمّ وقال:
- "أعرف".
كان القاضي يُلاحظ لا مبالاة كريم، ثم نظر في عينيه وتحدَّث بشكل قاطع وكأنه يحذّره:
- "إذا تم الطلاق لسبب غير عادل، فسيتم إعادة فتح الدعوى ضدَّك من جديد. هل فهمت؟".
بدا كريم وكأنّه يستجمع قواه وقال:
- "فهمت".
ألقى القاضي نظرة واحدة عليهما وهزَّ رأسه، ثم نظر إلى فاطمة غول كأنه يعطيها نوعاً من الطمأنينة. أحنتْ فاطمة غول رأسها وقال القاضي:
- "ليكتبِ الله لكما السعادة".
* ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير. والنص المقتطف هنا فصلٌ من رواية "ما ذنب فاطمة غول؟"، التي تصدر قريباً عن منشورات "المعبد"، وهي الرواية المُقتَبَس عنها مسلسلٌ تركي يحمل الاسم نفسه.