متحف "ماوريتس هاوس": ملءُ الفراغ بفراغ أكبَر

26 مايو 2023
من الأعمال التي يعرضها متحف "ماوريتس هاوس" في انتظار عودة لوحة فيرمير الشهر المقبل (Getty)
+ الخط -

كيف يُمكنك لفتُ الأنظار في يومنا هذا؟ ثمة طرقٌ كثيرة، في الحقيقة، واحدةٌ من أبرزها وأكثرها نجاعةً تتمثّل في المَساس بشخصية معروفة أو بعمل شهير أو بقضية مقدّسة أو ربما بظاهرة إشكالية، وتسليط الضوء إعلامياً على الموضوع، بانتظار أن تتلقّفه منصّات التواصل الاجتماعي وأن يحوّله مستخدموها إلى موضوع تفاعُل، ضمن ما يُعرَف اليوم بالـBuzz. 

هذا، كما يبدو، ما فعله متحف "ماوريتس هاوس" في لاهاي الهولندية عندما عرض "أعمالاً"، جرى إنتاجُها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، مكانَ لوحة فيرمير الشهيرة، "الفتاة ذات قرط اللؤلؤ" (أو "الفتاة التي تعتمر قلنسوة"، وقد أُنجِزَت عام 1665)، وهي اللوحة المُعارة حالياً إلى متحف هولندي آخر يقيم معرضاً ضخماً لفيرمير، هو "متحف ريكس" بالعاصمة أمستردام. خطوةٌ أثارت كثيراً من النقاش وأسالت كثيراً من الحبر، منذ بدء العرض في آذار/ مارس الماضي.

من لوحة تُعَد من أيقونات الفن إلى محاولات يفشل بعضها حتى في الإضحاك

غير أن هذا النقاش، الذي انقسم كالعادة بين مَن هُم "مع" ومَن هُم "ضد"، دار بشكل أساسي حول الجزء الأول والرسمي من خطوة المتحف، أي عرضه خمسة من أفضل "الأعمال" التي وصلته من الراغبين في وضع أسمائهم واشتغالاتهم مكان فيرمير. غير أن دعوة "ماوريتس هاوس" لاستبدال لوحته الشهيرة لفترة مؤقتة لم تشمل الفنانين والمشتغلين على تقنيات الذكاء الاصطناعي فقط، بل كلّ مَن أراد المشاركة، ولا سيما مستخدمي الإنترنت، الذين يعرض موقع المتحف، هذه الأيام (حتى الرابع من حزيران/ يونيو المقبل)، 170 من صورهم التي أرسلوها و"نوّعوا" من خلالها على لوحة الفنان الهولندي (1632 - 1675). 

ويكفي إلقاء نظرة على هذه الأعمال للوقوف على غرابة خطوة المتحف الهولندي: فالصور المعروضة هي، في الغالب الأعمّ، ممّا يمكن نسْبُه في أفضل الأحيان إلى "الكيتش"، أو إلى المحاولات الفنّية البدائية، أو إلى التقليد الذي يرغب في أن يكون مُضحكاً، فإذ به مُضحِك ومفجِع في الآن. وبالطبع، تنجو من هذه الأغلبية أعمالٌ قليلة، بعضها غريب ومفاجئ في مقترحه، كهذا الذي تقدّمه الفنانة الكورية الجنوبية نانان كانغ.

تنويع الكورية نانان كانغ على لوحة فيرمير ــ
تنويع للكورية الجنوبية نانان كانغ على لوحة فيرمير (متحف "ماوريتس هاوس")

ما الذي يريد المتحف الهولندي قولَه عبر عرضٍ كهذا؟ الغالب أنه لم يكن يحمل مقولةً، بل أراد أن يُقالَ عنهٌ شيءٌ ما، أن يُحدث جلبةً وأن يتحوّل إلى موضوع نقاش. لا تأويل للنوايا هنا، بل تفسيرٌ عمليٌّ ربما لفعل لا معنى فنياً له، في حين أن التفسير الوحيد قد يكون اقتصادياً وتسويقياً لمتحف صغير بنى كلّ وجوده تقريباً على لوحةٍ واحدة، هي لوحة فيرمير، فجاء ليملأ فراغها بـ... فراغٍ، ونجح، كما يبدو. 

ذلك إن الحديث عن "معرضه" ناهز، في صفحات الإعلام ومواقع التواصل، الحديثَ عن معرض "متحف ريكس" الضخم حول فيرمير. مع العلم أن "متحف ريكس" قد زاره أكثر من مليونين وستمئة ألف زائر عام 2019، ليشاهدوا أكثر من 8 آلاف عمل فنّي تمتدّ على مساحة 10 آلاف متر مكعّب، في حين أن "ماوريتس هاوس" يضمّ أكثر من 800 عمل بقليل، جاء ليشاهدها، في العام نفسه، أي 2019، 416 ألف مشاهد. ألا يكفي هذا لإعطاء معنىً لخطوته؟

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون