"الظواهر المسرحية في السودان 1875 – 1900" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحث والناقد المسرحي السوداني مجذوب عيدروس عن "مركز عايدابي لفنون المسرح"، ويتناول المسرح كظاهرة ثقافية اجتماعية تمثّلت في جملة ممارسات وطقوس عبّرت عن الذاكرة الشعبية وتخييلاتها تجاه جملة أحداث ووقائع مهمّة في التاريخ السوداني.
تشير المقدمة إلى أن "الظاهرة المسرحية تبدأ خلال حضور الأجنبي؛ المستعمر الإنكليزي. ففي عام 1899، نظّمت القوى الاستعمارية تظاهرة مسرحية أسمتها "التاتو"، وهي صيغة عسكرية لاستعراض القوّات الغازية في حربها ضدّ الوطن بجيشه الذي يحارب أسلحة المدافع والبنادق والرصاص والذخيرة بأعواد الشجر، وهذه التظاهرة العسكرية لانتصار المستعمر على جيش المهدي لم يتمّ الرد عليها إلّا بعرض حيّ مناهض عام 1949 في أم درمان من طرف أنصار المهدي".
يتناول الكتاب مجموعة ظواهر مسرحية بدأت مع الاستعمار البريطاني للسودان
يدرس عيدروس لحظتين بارزتين من تاريخ السودان، تمثّلت الأولى بـ"التاتو" بينما أطلق على الثانية تسمية "البراميل"، وتشير إلى مجموعة البراميل التي نصبها أهل التمثيل والمسرح في السودان في أم درمان أمام الجمهور المتعطّش لرؤيتهم يمسرحون حياةً تناهض المستعمر بالثقافة والفكر، وما بين اللحظتين أشكال وألوان من التظاهرات المسرحية التي رصدها ووثّق لها المؤلف.
يتطرّق الكتاب إلى ظاهرة مسرح الموقاي الشعبي في منطقة دارفور بغرب السودان، التي شملت ضروباً متنوّعة من الشعر والغناء والاستعراض الراقص، والتي وظّفت عناصر تراثية أهمها المُنادي الذي سيقوم بدور الراوي والبهلوان والممثل في أشكال مختلفة، وهي شخصية موجودة في مختلف مناطق السودان، حيث يملأ المنادي القبيلة بالحكايات والنوادر والقصص والأوامر السلطانية والأخبار، ويفضح قبيلته برواية أخبار مضرّة ومخجلة أحياناً.
ويركّز عيدروس في القسم الأول على ارتباط الدراما بالطقوس والشعائر والسحر والدين لدي جميع الأمم والشعوب، ويعود إلى الظواهر المسرحية في الممالك النوبية القديمة ثم في الممالك النوبية المسيحية، وصولاً إلى مملكة الفونج وسلطنة الفور في القرن السابع عشر، كما يضيء في القسم الثاني الظواهر المسرحية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، والتي لم يتوقّف عندها الباحثون طويلاً.
يدرس عدداً من هذه الظواهر مثل ظاهرة المناحة والاستجارة بعد مقتل الزعيم سليمان بن الزبير غدراً على يد الاستعمار البريطاني عام 1879، وظاهرة العرضة، حيث كان جنود الحركة المهدية يستعرضون مهاراتهم في الفروسية وقوّتهم العسكرية في أحد أحياء أم درمان الذي لا يزال يحتفظ بـ"العرضة" اسماً له، والاستعراضات العسكرية لجنود الاحتلال البريطاني.