رغم توقّفها منذ 1986، لا تزال "مجلة الفكر" تُعدّ إلى أيامنا علامة ثقافية بارزة في تونس، حيث أن نشر مقال أو نص فيها كان يمثّل نقلة أدبية أو فكرية لأصحابها، لتكون فضاءً إبداعياً ساهم في تداول الأفكار وتجديد ما يجري تداوله في النقاشات حول الأدب والفلسفة والفن.
عادت المجلة إلى الأضواء يوم الإثنين الماضي مع إعلان "دار الكتب الوطنية" توقيع اتّفاقيّة مع ورثة مؤسّس المجلّة محمّد مزالي، لتمكين المؤسسة من رقمنة جميع أعداد المجلّة منذ إطلاقها في 1955 إلى آخر عدد من أعدادها، ومن ثمّ إتاحتها للباحثين.
قد تكون هذه المبادرة مناسبة للنظر في حال المجلات الثقافية التونسية والتي تشهد انحساراً وتذبذباً في الصدور، ربما باستثناء مجلة "الحياة الثقافية" التي تحظى بدعم مباشر من وزارة الثقافة.
لكن نموذج "مجلة الفكر" يفسّر إلى حد كبير لماذا تنتهي تجارب المجلات الثقافية في تونس. لقد كان تأسيسها - سنة قبل الاستقلال - ضمن موجة من الحراك الشبابي المندرج في إطار الحركة الوطنية. ومع تأسس دولة الاستقلال كان هناك رهان حقيقي على هذا الشباب وقد استفادت المجلة من ذلك، وكذلك مؤسّسها، محمد مزالي، أستاذ الفلسفة القادم من فرنسا بكثير من الرؤى التجديدية.
عرف مزالي لاحقاً مسيرة سياسية كرجل دولة شغل مناصب أساسية مثل وزارة التربية وخصوصاً رئاسة الوزارء في نهايات حكم الحبيب بورقيبة، وكان يُنظر إليه من قبل كثيرين بوصفه خليفته في الحكم، غير أن هذا المنظور ذاته كان سبباً في صراعات داخلية عرفتها مرحلة توليه الوزارة الأولى انتهت بسقوط سياسي أجبره على الفرار من تونس عام 1986.
هذه النهاية التي عرفتها مسيرة محمد مزالي مثّلت نهاية للمجلة التي يرعاها، والتي لم تكن بعيدة عن الحياة السياسية بحال، على العكس حملت المجلة لواء أفكاره وأبرزها ما يسمى اليوم بمعركة التعريب في نهاية سبعينيات القرن الماضي. لقد كان الارتهان السياسي للمشروع الثقافي سبباً في التعجيل بنهايته، لتظلّ اليوم "مجلة الفكر" مجرّد ذكرى تشير إلى قدر من الإيجابيات الثقافية التي عاشتها تونس منذ عقود.