في الجزء الأول من مذكراته التي وثّقت أحداثاً بارزة في تأريخ فلسطين والمنطقة منذ بداية القرن العشرين، يتحدّث محمد عزة دروزة عن تشكّل الأحزاب السياسية في المدن الفلسطينية بين عاميْ 1934 و1935، مشيراً أن مناهج هذه الأبحاث (أدبياتها) كانت وطنية، أي متفقة مع الميثاق الوطني؛ ويقصد هنا الميثاق الذي أقرّه أول مؤتمر عربي فلسطيني انعقد في القدس سنة 1919، ويدعو إلى استقلال فلسطين وسورية كجزء من الأمة العربية، ورفض وعد بلفور والهجرة اليهودية.
غير أن الكاتب والمؤرخ الفلسطيني (1887-1984) يوضّح أن السياسة المحلية والشخصية هي التي كانت وراء تأسيس أربعة أحزاب سياسية، آنذاك، مشيراً إلى أن نشاطها الأساسي تمثّل بتقديم مذكرة لسلطات الاستعمار البريطاني تطالبها بوقف الهجرة اليهودية وبيع الأراضي لليهود وإنشاء حكم وطني، ثم طالبوا بإحياء مجلس تشريعي للفلسطينيين لكنهم اختلفوا حوله في ما بينهم، لتندلع ثورة يافا في 18 نيسان/ أبريل 1936 التي أعقبها إضراب طويل، لتدخل البلاد في حالة جديدة.
تفصّل المذكرات التسلسل التاريخي لجملة من الوقائع التي تركت أثرها على التاريخ الفلسطيني المعاصر، وتصدر في كتاب بعنوان "محمد عزة دروزة (1305-1404 هـ/1887-1984 م): سيرة ذاتية مقتطفة من مذكراته" عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" و"المكتبة الخالدية" بتحرير وتقديم وليد الخالدي.
تعتبر يومياته من أهم المصادر الأولية للمتخصصين بتاريخ فلسطين والحركة العربية في بلاد الشام
يلفت التقديم إلى أن دروزة شرع في تدوين يومياته سنة 1932، وعكف على تبييضها في أواخر السبعينيات في دمشق، وتولّى طباعتها الناشر التونسي الحبيب اللّمسي، حيث صدرت عن "دار الغرب الإسلامي" البيروتية سنة 1993 في ستة مجلدات، وهي تعتبر من أهم المصادر الأولية للمتخصصين بتاريخ فلسطين والحركة العربية في البلاد الشامية في القرن العشرين".
ويضيف "لحرصنا على تعريف الأجيال العربية الصاعدة بالكاتب أسقطنا من المذكرات الأم ما لم نعتبره من باب السيرة الذاتية فجاء النص الأصلي في هذه المقتطفات التي وضعنا لها مقدمة تشرح نهجنا في اختيارها وتتضمن لمحات عن بعض نواحي نشاط دروزة السياسي والقلمي طوال حياته المديدة".
يرى دروزة في تلك الأوراق إلى حركة الشهيد عزّ الدين القسام أنها كانت من أبرز ظواهر تطوّر الكفاح الوطني في فلسطين، وكيف أن العمّال الفلسطينيين في حيفا بدأوا بتكوين خلايا جهادية سرية وضيفة النطاق محكمة التنظيم والترابط، وكان كثير من أفراد هذه الخلايا أو الحلقات يتردّدون على مجالس وعظ القسام، فقامت بينه وبين عدد منهم صلات وثيقة، وكانت فكرة المقاومة تقوى لدى الجميع، بسبب ما يشتدّ من أخطار الصهيونية ومحاباة البريطانيين لها.
وينهي الجزء الأول بتسجيل محاكمات رفاق القسام بعد استشهاده في أحراش يعبد، واعتراف جميعهم بالحق في مقاومة الاستعمار، ما كان له أثره لدى فئات عديدة من الشعب، ثم ينتقل في الجزء الثاني الذي تضمّنته السيرة الصادرة عن المؤسسة، وفيه تأريخ لاندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 -1939) وما تبعها من أحداث وأهمها تشكيل لجنة التحقيق الملكية (بيل) التي أوصت بتقسيم فلسطين عام 1937.