قبل أيام قليلة، أعلنت "جامعة مانهايم" الألمانية تنظيم "مؤتمر دولي"، نهاية شهر مايو/ أيار من العام المقبل، حول تجربة الروائي السنغالي الشاب محمّد مبوغار سار (31 عاماً)، الحائز أخيراً جائزة "غونكور" الفرنسية عن روايته "ذاكرة البشر الأكثر سِرّيةً" (صدرت لدى دارَيْ "جيمسان" السنغالية و"فيليب راي" الفرنسية). بحسب البيان الذي وجّهه القائمون على المؤتمر إلى الباحثين المهتمّين بالمشاركة فيه، فإنّ الفوز بالجائزة الفرنسية العريقة "يؤكّد ما كان يعرفه، مسبقاً، الأشخاص الذين يتابعون مسار محمد مبوغار سار المدهش منذ بداياته في 2014: أي أنه مؤلّف يحمل موهبة استثنائية، ويمتاز باطّلاع كبير، ولا يتردّد أبداً أمام المواضيع ذات البُعد السياسي".
وإذا كان هذا الرأي الذي يقدّمه أكاديميون ونقّاد مختصّون بالأدب في ألمانيا حول مبوغار سار يعبّر، بنحوٍ ما، عن الإعجاب الذي انتزعته روايته في العديد من البلدان خارج فرنسا، ويُنصف موهبته التي لم تُخفِ لجنة "غونكور" إعجابها بها، فإنّ الكاتب الشاب ما يزال يواجه صعوبةً في فرض نفسه ضمن المشهد الأدبي والكُتُبيّ في بلاد موليير، حيث يقيم، رغم اقتران اسمه بأهمّ جوائزها، ورغم كونه ثاني أصغر من ينال "غونكور" منذ إطلاقها.
أُعلن فوز "ذاكرة البشر الأكثر سِرّيةً" بالجائزة في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ورغم طزاجة الحدث، ها هو العمل قد خسر "المركز الأوّل"، الذي لم يشغله إلّا لأسبوع أو اثنين، في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً. ورغم أن ناشرَي الكتاب تحدّثا عن طبعه في أكثر من 300 ألف نسخة، إلّا أننا لا نعرف، حتى الآن، إلى أين وصلت مبيعاتهما منه.
يبدو أنّ الرواية تواجه صعوبة نسبية في تحقيق مبيعات كبيرة
الصمتُ حول الرقم، وتراجُع حضور الكتاب في قوائم الأكثر مبيعاً في فرنسا (يشغل المركز الثالث منذ أسبوعَين)، قد يشيران إلى قِلّة نجاحه النسبيّ في المكتبات. نسبيّ إذا ما قارنّاه بمبيعات كتابٍ مثل "الخلَل" لـ هيرفيه لوتولييه، الذي حاز الجائزة نفسها في نسخة العام الماضي، وبيع منه أكثر من 800 ألف نسخة في غضون شهرين. وإنْ كان العزل الصحّي قد ساعد "الخلل" في هذا النجاح التجاري الكبير في سوق الكتاب، فإنّ العمل الذي حاز "غونكور" في السنة السابقة (2019)، أي رواية جان بول دوبوا "لا يسكن جميع الناس العالَم بالطريقة نفسها"، قد شغلت، لستّة أسابيع، المركز الثاني في قائمة الأكثر مبيعاً، وباعت، حتى نهاية 2020، أكثر من 600 ألف نسخة، أي أنها، بعبارة أُخرى، حقّقت "نجاحاً" تجارياً، كما يبدو، أكبر من الذي يحقّقه هذه الأيام كتاب مبوغار سار.
كيف يمكن شرْح هذا التفاوُت؟ ربما علينا الالتفات إلى لون بشرة الكاتب، واسمه، وأصله ـ وهي "تفاصيل" لا يبدو أنها تساعده كما ساعدت في السنتين الماضيتين روائيّيَن فرنسيَّين، أبيضَيْ البشرة، في الخمسينيات من عمرهما. بعض المعلّقين على منصّات بيع الكتب لا يُخفون رأياً كهذا لا يمكن العثور عليه، أو العثور على شرح له، بوضوح، في وسائل الإعلام الفرنسية. "لم تجر مكافأة الكاتب (بجائزة غونكور) إلّا من أجل لون بشرته. ليست عنده أيّة موهبة، في رأيي"، يعلّق شخصٌ باسمِ واكا كريس على صفحة الرواية في "أمازون"، وهو تعليقٌ ينال 58 إعجاباً.
أمّا أكثر التعليقات على الرواية في "أمازون" نيلاً للإعجاب (85 إعجاباً)، فهو ذاك الذي كتبه شخص باسم "نونو"، اعتبر فيه أن العمل عبارة عن "هراء لا يُحتمَل". على هذا الموقع، تجمع رواية مبوغار سار، حتى لحظة كتابة هذه السطور، نحو 300 تعليق. أمّا رواية أميلي نوتومب، "دمٌ أوّل"، التي صدرت في الوقت نفسه (آب/ أغسطس الماضي)، وفازت بجائزة "رونودو" المرموقة، لكن الأقلّ تأثيراً وأهمّية من "غونكور" لدى القارئ الفرنسي وفي سوق الكتاب، فإنها تحظى بأكثر من 1140 تعليقاً على "أمازون"، في حين تأتي في مقدّمة التعليقات على كتابها في "أمازون" تعليقاتٌ إيجابية... وللمناسبة، فإن كتاب محمد مبوغار سار، السنغالي، يُعرَض لدى متاجر "فناك" الفرنسية ضمن قائمة الكتب "الأجنبية" الأكثر مبيعاً؛ أمّا كتاب نوتومب، البلجيكية، فهو معروضٌ في قائمة الكتب الفرنسية الأكثر مبيعاً. هل يُعتَبَر أجنبياً لأنّه أسود البشرة، وهي فرنسية (رغم أنها بلجيكية)، لأنها بيضاء البشرة؟ ربما...