محمد نجيب بوطالب.. قصّة الهجرة السرّية من تيطاوين

14 ابريل 2023
محمد نجيب بوطالب
+ الخط -

خلال العام الماضي، شهدت ظاهرة الهجرة السرّية من الجنوب الشرقي لـ تونس، وخصوصاً من ولاية تيطاوين، تفشّياً غير مسبوق في أوساط الشباب الذين يريدون التوجّه إلى أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص، عبر تركيا وصربيا والمجر والنمسا؛ وهي مسالك جديدة مثّلت بديلاً أكثر أماناً من ركوب القوارب عبر المتوسّط.

في كتابه "الهروب من الكامور إلى أوروبا عبر البلقان"، الصادر حديثاً عن "سوتيبا غرافيك"، يكشف الباحث في علم الاجتماع محمد نجيب بوطالب، أنّ عدد الذين اختاروا هذه المسالك غير النظامية في المنطقة بلغ، خلال سنة 2022 وحدها، أكثر من 12 ألفاً، من بينهم 11 ألفاً طلبوا تراخيص أبوية لكون أعمارهم دون العشرين عاماً، مُشيراً إلى بدء تسرُّب الإناث إلى هذه المغامرة غير الآمنة، والتي كانت في وقت سابق حكراً على الذكور.

واعتمد المؤلِّف، في دراسته، على مقابلات مع مسؤولين محلّيّين وموظّفين في جمعيات ومؤسَّسات مثل البريد والبلديات، إضافة إلى أهالي المهاجرين وأقاربهم؛ حيث أُقيمت اللقاءات معهم في مقاهٍ وفضاءات عمومية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.

مسّت الظاهرة كلّ المجتمع المحلّي في الجنوب الشرقي التونسي

يُفصّل بوطالب في أسباب تفشّي الظاهرة، مُعتبراً أنّ ثنائية التهميش ووفرة الموارد الطبيعية في المنطقة كانت وراء حَراك شبابي واسع ركّزت مطالبُه في الأساس على التنمية والتشغيل في الشركات البترولية، مُضيفاً أنّ هشاشة الوضع الاقتصادي والعجز الواضح عن الإفادة من تلك الثروات وانتظار الشباب لوقت طويل جعل من تطاوين منطقةً طاردة لقوى العمل النشيطة.

وإلى جانب ذلك، يلفت الباحث إلى أنّ شباب المنطقة توارثوا خيار الهجرة المبكّرة منذ عقود، يُشجّعهم في ذلك نجاحُ مُهاجرين يعرفونهم في بلدان أوروبية في تحسين أوضاعهم الاقتصادية؛ حيث يدفعهم ذلك إلى الرغبة في تكرار تجارب سابقيهم. يكتب في هذا السياق: "ترسَّخ سلوك الهجرة في المنطقة إلى درجة أنّه أصبح يُمثّل إحدى الخصائص البنيوية والنفسية لسكّانها؛ حيث يصبح الإصرار على الهجرة سلوكاً مرغوباً لدى الكبار والصغار العاطلين والعاملين والفقراء والأغنياء".

الهروب من الكامور - القسم الثقافي

ويرى المؤلِّف أنّ هذه الظاهرة، التي يصفها بالمكلِفة اقتصادياً، مسّت كلّ المجتمع المحلّي في الجنوب الشرقي التونسي، وخصوصاً ولاية تيطاوين، وتسبَّبت في عرقلة التنمية فيه، مُضيفاً أنّها "تعكس فشل سياسات الدولة في التشغيل وتوفير فُرَص العمل لطالبيها". ومن النتائج الأُخرى التي يلفت إليها: توقُّف حركة الاحتجاجات التي كان يقودها المنتسبون إلى "تنسيقية الكامور" في منطقة الكامور النفطية بتيطاوين، وحدوث نقص في بعض المهن والخدمات، فضلاً عن ارتفاع أجور العمالة المحلّية في قطاعَي البناء والفلاحة.

وفي حين يُشير إلى وجود فراغ بحثي ومعلوماتي، "خصوصاً في ما يتعلّق بموقف الجانب الرسمي الذي لمسنا تجاهله للظاهرة في مسالكها وتعبيراتها وبؤرها الجديدة"، يتحدّث محمد نجيب بوطالب، في دراسته، عن تسييس ظاهرة الهجرة السرّية وتوظيفها من قبل سياسيّين بهدف "إخافة أوروبا وتحريضها على سلطة البلاد".

المساهمون