حالةٌ من الترقُّب تعيشُها الأوساط الثقافية في مصر، بعد تداوُل صُوَر عبر مواقع التواصُل الاجتماعي تُظهر مدفن الكاتب المصري الراحل طه حسين (1889 - 1973) في منطقة التونسي بالقاهرة، وقد وُضعت على الجدار الذي يُحيط به علامة إكس وعبارة "إزالة" باللون الأحمر، وهو ما فُهم منه أنَّ المكان، الذي يضمّ مجموعةً من المقابر، مُدرَجٌ للإزالة، بغرض استكمال أشغال محورٍ مروري جديد يحمل اسم ياسر رزق، مِن المنتظَر أن يُنجَز بطول سبعة كيلومترات، ليربط منطقة المقطَّم بمناطق داخل القاهرة؛ مثل وسط البلد وصلاح سالم.
ليست هذه المرّة الأُولى التي يجرى فيها الحديث عن إزالة المدفن؛ ففي أيار/ مايو الماضي، عبّرت عائلة "عميد الأدب العربي" عن مخاوفها بعد مفاجأتها بوجود علامة "X" على جدران المدفن، غير أنّ مسؤولين في محافظة القاهرة نفوا، حينها، صدور أيّ قرار بإزالته. لكن يبدو أنّ الأمر اختلف هذه المرّة؛ مع إضافة عبارة "إزالة" وقطع المياه عن المدفن، ومع حديث تقارير صحافية محلّية عن وجود آلات هدمٍ في المكان.
في تعليق لها على الصُوَر المتداوَلة على مواقع التواصُل الاجتماعي، قالت مها عون، حفيدة طه حسين، في تصريحات صحافية، إنّها تواصلت مع مُحافظة القاهرة التي أبلغتها أنّها أجرت، فعلاً، أعمال حصر لمنطقة المدافن، لكنّ المحافظة نفت علمها ما إذا كانت المقبرة ستُزال أم لا، لأنّ "الأمر من اختصاص جهة أُخرى غيرها".
قالت عائلته إنّها تفكّر في نقل رفاته خارج مصر، قبل أن تعدل عن ذلك
وكشفت عون عن أنّ عائلة طه حسين تُفكّر في نقل رفاته خارج مصر؛ "إلى بلدٍ يُحترم فيه سلام الموتى" وفق تعبيرها، قبل أنْ تعود، أمس الجمعة، لتؤكّد أنّ العائلة قرّرت، بعد نقاشات طويلة، الإبقاء على رفات صاحب "الأيام" (1929) في بلده.
وفي منشور لها على حسابها في فيسبوك اليوم الجمعة، كتبت عون: "حاولنا، خلال الأشهر الماضية، الحصول على إجابات، لكن حتّى الحد الأدنى من الاحترام لإبلاغ الناس بأنّ جذورهم ستُقتلع لم نحصل عليه"، مردفةً: "بدأ الجيران المتوتّرون بإزالة رفات أحبائهم لأنهم سمعوا عن جرّافات تُدمّر قبوراً أُخرى".
وأضافت: "إزاء هذا الوضع، كانت ردود فعل الأسرة مختلفة. أردتُ نقل رفات طه حسين إلى بلد تحترم فيه السلطات سلام الموتى (...) لكنّ خالي وخالتي رفضا الفكرة (...) قال خالي إنّ العميد كرّس حياته لتطوير مصر ولمناصرة حقوق الفقراء والعدالة، والدفاع عن المساواة. حتى زوجته الفرنسية أعادت جواز سفرها إلى السفارة الفرنسية عندما هاجمت بلادُها مصرَ أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، فكيف 'ننفيه' عن بلده؟".
وختمت عون: "تعرّض طه حسين للهجوم من قبل المتطرّفين الإسلاميّين والحكومات المصرية التي حكمت خلال حياته. لذا، فالهجوم عليه بعد وفاته ليس أمراً جديداً بالنسبة إليه. والاهتمام الذي لقيته العائلة في الأشهر الماضية من قبل الكثير من المصريّين الذين أُعجبوا وفهموا قيمة فكره كان كبيراً. طه حسين مصريٌّ ومصر هي المكان الذي ينتمي إليه بغضّ النظر عن الحكومات والسلطات".
وفي تطوُّر جديد، عمدت محافظة القاهرة، مساء اليوم، إلى طلاء جدار مدفن طه حسين وحذف علامات الإزالة عليه، في خطوة يمكن اعتبارها استجابةً للأصوات الرافضة لهدمه، بينما لم تَصدر منها أيّة تصريحات رسمية إلى الآن.