ربّما ليس أسوأَ، بالنسبة إلى كاتب ينتظِر صدور عملٍ بذل فيه جُهده ووقته، مِن نَشره مجتزَأً. يُصبح الأمرُ أكثر سوءاً حين يكونُ تدخُّل الناشر ضرباً من الوصاية الأخلاقية على القارئ؛ إذ ما الداعي أساساً إلى الترجمة إنْ كنّا نُريد نصوصاً متوافقةً مع أفكارنا وثقافتنا وآراءنا؟
هذا التساؤل يطرحه المُترجِم المصري سمير جريس (1962)، وهو يتحدّث عن البتر الذي تعرّضَت له ترجمتُه لكتاب الألمانية يوديت شالانسكي (1980) "فهرسُ بعض الخسارات". صدر العملُ بالألمانية عام 2018، وعُدّ مِن أبرز إصدارات السنوات الأخيرة في ألمانيا. في 2021، حاز "جائزة غوتنبرغ للكتاب"، ووصلَت ترجمتُه الإنكليزية إلى قوائم "جائزة مان بوكر".
سيصل الكتابُ إلى اللغة العربية في 2022، لكن مبتوراً. بنبرة مُتحسّرة، يتحدّث المُترجِم المصري، في منشور له على فيسبوك، قائلاً إنّ فرحته الكبيرةَ بصدور العمل عن "مشروع كلمة" في الإمارات لم تكتمل، بعد أن اكتشف أنّ فصلاً منه بعنوان "دائرة معارف في الغابة" تعرَّض إلى "مذبحة أطاحت بـ640 كلمة، تدور حول موضوع الجنس والأعضاء الجنسية لدى الرجل والمرأة"، مُوضّحاً أنّ "الحذفَ حدث بدون اتّفاق مع الكاتبة، وبالطبع بدون الرجوع إليّ".
حُذفت مقاطع من الكتاب دون اتّفاق مع المؤلّفة أو الرجوع إلى المترجِم
في منشوره الذي عنونه "مذبحة الكلمة في مشروع 'كلمة'"، يضع جريس هذا الحجب الجزئي عن القارئ العربي، والذي قال إنّه سيُلقي بظلاله على تلقّي الكتاب، في سياق ممارسَة "وصاية أخلاقية" على القارئ، رغم أنّ الفصل المبتور، مثلما يُشير، "مكتوبٌ بأسلوب علمي يكاد يكون جافّاً، ولا علاقة له بالإثارة من قريب أو بعيد".
يُشير جريس إلى أنّها ليست المرّة الأُولى التي يتدخّل فيها المُراجع في مشروع "كلمة" بالتعديل "لدواعٍ أخلاقية مزعومة"، مُستشهداً بترجمة أحمد فاروق لرواية "مجد متأخّر" لـ أرتور شنيتسلر؛ "حيث 'طُهّرت' الرواية من كافّة أنواع الخمور، واختفت كلّ أنواع البيرة والنبيذ، ليحلّ محلّها 'مشروب' أو 'شراب'". لكنّه يُضيف أنّها ربما المرّة الأُولى التي يصل فيها الحذف إلى هذا الحدّ.
ويَذكر المُترجِم أنّه أرسَل ترجمة الكتاب، الذي يصفه بأنّه "نموذجٌ لفنّ المقالة الأدبية في أرفع صورة"، في مطلع 2020، لكنّ صدوره تأخَّر إلى 2022، مضيفاً: "أرسلتُ للدار أسألهم عن النسخ الخاصة بي. وأخيراً، قبل أيام (أي بعد صدوره بأكثر من نصف عام)، وصلتني النسخ لأكتشف هذا البتر الفادح الذي أطاح بنحو 640 كلمة من أحد فصول الكتاب. والله أعلم ماذا حدث للفصول الأُخرى".
يُذكَر أنّ سمير جريس درس اللغة الألمانية وآدابها في القاهرة، قبل أن يُتابع دراسة علم الترجمة في ألمانيا، وينقل إلى العربية عشرات من الأعمال الأدبية المعاصرة. وخلال العامَين الماضي والحالي، صدرَت له سبعُ ترجمات جديدة؛ هي: "ملحمة أنيت" لـ آنه فيبر، و"إردوجان" لـ جان دوندار، و"القاضي وجلّاده" لـ فريدريش دورنمات، و"العملاق النَسّاء" لـ دافيد فاغنر، و"اكتشاف البطء" لـ ستن نادولني، و"غبار" لـ سفنيا لايبر، إضافةً إلى "فهرس بعض الخسارات"، والذي كتب قبل أسابيع عن عدم وصول نسخٍ منه (حتى ذلك الوقت) إلى أيّة مكتبة في أيّ بلد عربي، قائلاً: "هذا كتاب فريد يتناول بشكل فلسفي أدبي فكرة الفقدان والخسارة والفناء، وأنا أشعر بالخسارة الفادحة لأنه غير متوفّر. ربما تنضمّ ترجمة هذا الكتاب إلى 'فهرس خساراتي'. وعموماً، هذا آخر تعاون بيني وبين مشروع 'كلمة'".