- تضمن المعرض فعاليات ثقافية متنوعة تعكس تأثير الحضارة العربية والأندلس في الفكر الأوروبي والعلوم والفنون، بالإضافة إلى ندوات حول أهمية الاستقرار السياسي لتطور الحضارات.
- أُطلقت مشروعات ثقافية وأكاديمية مثل مجلة "أثيرَت" وعرض مخطوطات عربية قديمة، مسلطة الضوء على الاهتمام بالتراث وأهمية البحث العلمي والدراسات التاريخية لفهم تاريخ وثقافة المنطقة.
أضاءت الدورةُ الثالثة والثلاثون من "معرض الدوحة الدولي للكتاب"، التي تختتم فعالياتها مساء اليوم السبت في العاصمة القطرية، جوهرَ التكوين الحضاري الذي تشكّل منذ آلاف السنين عبر الكتابة التي استوعبت المعارف والعلوم وتناقلتها في عملية مستمرّة ومتراكمة.
اختار المنظّمون شعار "بالمعرفة تُبنى الحضارات" لتأثيث برنامج المعرض الذي افتتح في التاسع من الشهر الجاري في "مركز الدوحة للمعارض والمؤتمرات"، بمشاركة 515 دار نشر من 42 بلداً، قدّمت أكثر من 180 ألف عنوان.
دلال الدوسري، رئيسة اللجنة الثقافية، أوضحت في تصريحات صحافية أنّ من أدبيات وتقاليد "معرض الدوحة للكتاب" أن يعكس برنامجُه الثقافي دلالات الشعار الذي تختاره وزارة الثقافة في كلّ دورة، مضيفةً أنّ "المعرض برمّته يتبنّى أهداف الشعار ويبني عليها هويته البصرية ويبلورها تنظيماً وشكلاً ومحتوىً، ومن ثمّ فقد عكَس البرنامج الثقافي روح معالم هذه الحضارات في ندواته ومحاضراته ومسرحياته وأمسياته الفنّية والشعرية وأنشطته الموجَّهة للأطفال".
الحضارة العربية
في محاضرته "الأندلس بين الدولة والحضارة"، استعرض الباحث المغربي عبد الواحد أكمير أوائل علماء الأندلس الذين ظهروا في عهد عبد الرحمن الناصر (891 - 961م)، ومن بينهم عبّاس بن فرناس؛ مؤسّس علم الفيزياء في الأندلس، مناقشاً ثلاث ركائز أساسية لصُنع الحضارة، وهي العلم الذي حظي برعاية رسمية، والمجتمع الذي اتّسم بتنوّع أعراقه وثقافاته، والازدهار الاقتصادي الذي عاشه الأندلسيون فترات طويلة.
كما تحدّث أكمبر، الذي ألّف ونسّق عدّة كتب مثل "قصر الحمراء مكان للذاكرة والحوار" و"الحضارة الإسلامية في الأندلس ومظاهر التسامح"، عن أهمّية الاستقرار السياسي في صعود الحضارات؛ حيث استغرق توطيد أركان الدولة الأندلسية نحو قرن لتنطلق حركة التأليف وتتطوّر الفنون والآداب.
وحضرت الأندلس أيضاً في ندوة بعنوان "رحلة لزمن الموشّحات في الأندلس"، شارك فيها الباحثان الموريتاني أدي ولد آدب والسوري لؤي خليل، اللذان تطرّقا إلى أصل تسمية الموشّح وتأصيل المصطلح وتداوله في الثقافة العربية، وسياقات ظهور فنّ الموشّحات.
ولفت ولد آدب إلى الوتر الخامس الذي أضافه زرياب إلى العود بعد قدومه إلى الأندلس، ودوره في تطوير الذائقة الموسيقية، وهو ما ينسحب على الشعر والرسم والفسيفساء وغيرها من الفنون، بينما أشار خليل إلى رغبة الأندلسيين في تقديم شيء مختلف، مضيفاً: "رغم أنّ الثقافة الرسمية لا تقبل العامية، وكانت هناك إشكالية في ظهور الموشّحات لأن البيت الأخير كان يُنظم بالعامية، إلّا أنّ الوشّاحين كانوا أذكياء واستطاعوا الانتقال بالموشّحات من العامّية إلى الأدب الرسمي".
وتوقّف الشاعران السوري محمد ياسين صالح والسعودي حمود الصاهود، في ندوة "الارتحال والوداع في الشعر العربي"، عند مفهوم الارتحال والعادات والمعتقدات المرتبطة به، والمكانة والحظوة الكبيرتين اللتين يتمتّع بهما الرحّالة بوصفه مصدراً للأخبار والأشعار، وأهمّية الارتحال في طلب العلم في تاريخ الثقافة العربية، والفضائل المنسوبة إليه في القصص المتواترة حوله.
واحتوى البرنامج الثقافي على محاضرات وندوات حملت عناوين "أثر الحضارة العربية في الفكر الأوروبي" ليوسف الصديقي، وحوار الأجناس الأدبية والفنون" لنزار شقرون، و"عالم الفضاء والفلك: بين الخيال والبحث العلمي" لهتمي خليفة الهتمي، و"دور المنصات الأدبية والثقافية في تعزيز الحراك الثقافي" لمحمد الشبراوي، و"هوية وذاكرة المكان" لإبراهيم الجيدة ومحمد علي عبد الله، إلى جانب "ذاكرة البيوت الشعبية في قطر" لجمال بوساعة.
آثار الجزيرة قبل الإسلام
كان لافتاً خلال المعرض إطلاقُ "مركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية" مشروعَ مجلة "أثيرَت"؛ وهي مجلّة أكاديمية عربية - دولية محكّمة متخصّصة في آثار الجزيرة قبل الإسلام، يُنتظَر أن تصدر في كانون الثاني/ يناير 2025، في عددٍ مزدوج، بالشراكة مع "دار نشريات بريل" الهولندية.
تختصّ المجلّة بالدراسات العربية القديمة بجميع فروعها، لتعكس بشكل شامل التطوّرات البحثية في العلوم (من حيث النظريات والمنهجيات والنتائج)، ضمن مجموعة واسعة من المناهج التاريخية والأثرية والنصية واللغوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفكرية، كما تولي اهتماماً خاصّاً بالأبحاث المتعلّقة بالفنّ الصخري والاكتشافات الكتابية في شبه الجزيرة العربية.
وستكون المجلّة متاحة للجميع على الإنترنت عبر "الوصول الحر" للمواد بصيغة "بي دي إف"، وستكون البحوث بلغتين، العربية والإنكليزية، ومفتوحة للباحثين العرب للنشر بالعربية، من خلال الجمع بين فروع الأبحاث العلمية من خلال دراسات متعدّدة التخصّصات.
مخطوطات عربية قديمة
احتوى جناح عُمان، ضيف الشرف، على ستّ مخطوطات تعود أقدمها إلى حوالي ألف سنة، منها نسخةٌ من القرآن الكريم تُسمّى "مصحف القراءات السبع"، وهي مكتوبة بخطّ الشيخ عبد الله بن بشير الحضرمي، الذي قدّمها هدية لابنته، مستخدماً الطريقة التقابلية التناظرية، حيث يتطابق الحرف الأوّل من السطر الأوّل مع الحرف الأوّل من السطر الأخير، بينما يتطابق الحرف الأوّل من السطر الثاني مع الحرف الأول من السطر ما قبل الأخير، وهكذا.
ويُعرض في الجناح مخطوطٌ حول خطوط الطول والعرض في القوارب الشراعية وكيفية استخدامها للسير في البحار، بالإضافة إلى مخطوطات متنوّعة في مجالات التاريخ والأدب واللغة العربية والفقه والفلسفة وعلم البحار والطب وغيرها، وعناوين حديثة قدّمتها سبع عشرة دار نشر عُمانية.
وضمّ البرنامج الثقافي لضيف الشرف جلسات عدّة، منها: "قطر، عُمان والبحر: ثنائية الحضارة والإبداع" لزاهر المسكري وبدر العلوي وحمود الغيلاني وإبراهيم المنذري وناصر خليفي وخالد جوهر، و"تجارب في الرواية العُمانية" لزوينة الكلبانية وشريفة التوبية وطارق المنذري ومحمد العجمي، و"الهوية الخليجية المشتركة.. الواقع والتحديات" لسيف المعمري وحنان أحمد ومريم الكواري ومحمد هاشم الهاشمي.
حروفيات وفوتوغرافيا
احتضنت التظاهرة عدداً من المعارض، أبرزها معرضٌ لوزارة الثقافة القطرية ضمّ خمسة وستّين عملاً في الحروفيات والزخرفة الإسلامية لفنّانين قطريّين وعرب تنوّعت مشاركاتهم بين اتجاهات تقليدية ونزعات حداثوية، واحتضنت المنطقةُ المركزية معرضَين من تنظيم "مركز قطر للتصوير"؛ الأوّل قطري ويُبرز أهمّية القراءة بصورة فنّية للجمهور، والثاني عُماني ويُبرز جمال الطبيعة في عُمان ومناطقها.