مَن يتابع الأدب التركي عن قرب، يلاحظ حضوراً قويَّاً للرواية التاريخية في العقود الأخيرة، إذ برزت أسماء عديدة في هذا الاتجاه، من بينها، الباحث والروائي إسكندر بالا (1958)، الذي حظيت أعماله بمقروئية عالية في العقدين الأخيرين. وتتميَّز رواياته بأنها لا تقف عند حدِّ الترفيه أو سرد التاريخ فقط، بل تعالج قضايا معاصرة تخصُّ الشرق بشكلٍ عام من خلال الرجوع إلى التاريخ. وقد ألهمت أعمالُه الرسَّامَ التركي مراد كورت لإقامة معرض فنّي مُستوحىً من جميع رواياته التاريخية.
بالتعاون مع رسَّامين آخرين، أعدَّ مراد كورت معرض "الكلمات والألوان" من 13 لوحة، عبَّر فيها كلّ فنّان عن رواية من روايات إسكندر بالا بلغة الألوان. افتُتح المعرض في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، بـ"قاعة معارض بلدية أوسكودار"، ويستمرّ حتى الثاني من شهر كانون الثاني / يناير العام القادم. وجاء في الكلمة التي ألقاها كورت أثناء حفل: "حاولنا أن نقول شيئاً جديداً من خلال التاريخ في هذه اللوحات المُستوحاة من أعمال إسكندر بالا".
وقد علَّق صاحب "الموت في بابل.. الحب في إسطنبول"، على فكرة استلهام لوحات المعرض من رواياته، قائلاً: "كنت أتساءل منذ سنوات: أيهما أكثر أهمّية، الكلمات أم الرسومات؟ كنتُ أتصور دائماً أن الرسومات المجاوِرة للكلمات في الآثار القديمة، كانت تُوضع لمَن لم يفهم كلمات المؤلّف. وهذه الفكرة هي التي قادتني إلى مثل هذا المعرض".
تنقل كلّ لوحة روايةً بعينها، متجاوزةً تصوّرات الكاتب
وحول اللون الأحمر الذي يُلاحظ استخدام رسَّامي المعرض له بكثافة في أغلب لوحاتهم، يعلّق إسكندر بالا: "بعد أن طلب منّي مراد كورت أن نُعِدَّ هذا المعرض معاً، قمنا بإرسال الروايات للفنانين، ولم نقل لهم أي شيء آخر حتى لا يتم توجيههم والتأثير عليهم بأي شكل من الأشكال. وقد رأيتُ في لوحاتهم بعد ذلك ألواناً تجاوزت حتى أحلامي. هكذا تكوّنت الكلمات والألوان".
وإلى جانب المَقروئية العالية التي حققتها أعمال إسكندر بالا في تركيا، فقد تُرجمت أغلب رواياته إلى العديد من اللغات، من بينها العربية، كرواية "الشاه والسلطان" التي صوَّر فيها أجواء الصراع السياسي والديني بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية، معتمداً على الرسائل والأشعار التي تبادلها السلطان العثماني سليم الأول مع الشاه إسماعيل الصفوي. ومنها أيضاً رواية "بربروس.. قصّة أسطورة"، وقد وظَّف فيها خلاصة تجربته في العمل ملازماً في القوات البحرية التركية وأبحاثه في علوم الملاحة وعمله على ترميم الوثائق العثمانية المتعلقة بها، من خلال شخصية البحَّارة العثماني خير الدين بربروس، قائد الأسطول العثماني في عهد السلطان سليم الأول، والصراع بين الشرق والغرب في البحر المتوسط.
وإذ تتناول لوحات المعرض 13 عملاً للروائي التركي، فقد أنجز مُنظِّم المعرض، مراد كورت، لوحةً مُستَلهَمَة من رواية "الموت في بابل.. الحب في إسطنبول". أما اللوحات الأُخرى فكانت للفنانين: وفِيجان باطي عن رواية "نجم المساء"، وجَيدة حسين أوغلو عن "قطرة حِداد"، وأتامان أوغوز عن رواية "الشاه والسلطان"، وحُرَّم أوزاردان عن "نار"، ومصطفى سونماز عن "بربروس.. قصّة أسطورة"، وجولتكين سربست عن "المُضيف"، وهاندان كوركماز عن "قارون والفوضوي"، وإرهان هوكاليك عن "إبراهيم"، وأرول كيليتش عن "اعتراف"، وإيفران جول عن "القافلة"، وآخر رواياته "سورنامة" أنجزها الرسَّام طالب كاسار.
من الجدير ذكره أن إسكندر بالا، الذي يعمل حالياً أستاذاً لأدب الديوان العثماني في "جامعة إسطنبول"، يُعَدُّ من أبرز الباحثين الأتراك في الأدب العثماني. وإلى جانب كتابته للرواية التاريخية، فقد أصدر أيضاً العديد من الكتب والدراسات حول الأدب العثماني، من أبرزها: "موسوعة أشعار الديوان"، الذي حصل به على "جائزة جمعية اللغة التركية" عام 1990، و"دراسات حول شعر الديوان"، و"قاموس الأمثال الشعبية". وهو من أبرز الكُتَّاب الذين يتناولون في أعمالهم مدينة إسطنبول التاريخية في عصور مختلفة.