- يؤكد على الدور الأخلاقي للتذكر في مواجهة العدوان، مستشهدًا بسوزان سونتاغ، ويعتبر الكتابة فعلًا زائدًا عن الحاجة في ظل الأزمات الراهنة.
- يرى الإمكانيات الكبيرة للعمل الإبداعي في مواجهة الإبادة، مؤكدًا على أهمية الأعمال الإبداعية في الفضاء العام والخطاب الجمعي لتسليط الضوء على قضية فلسطين.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "جمعتنا اللغة، فمتى تجمعنا الأرض؟"، يتساءل الشاعر والباحث الفلسطيني في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- تشغلني أسئلة تتعلّق بهويتنا ومستقبلنا كفلسطينيّين. أُحاول أن أجد أكثر التفسيرات بساطة وقُرباً إلى الحقيقة لكلّ صورة وجملة على شاشة الأخبار أو في فضاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. أحاولُ أن أفعلَ كلّ ذلك دون أن أصل إلى مرحلة يتبلّد فيها شعوري. ثمّة مُعضلة أخلاقيّة تقفُ في وجهنا جميعاً. علينا أن نُدركَ أننا، في معظمنا الآن مُتفرّجون. من المستحيل أن تكون مُتفرّجاً وفي ذات الوقت أن تحسَّ وتُدرِكَ ما يُدركه من على الأرض وتحت النار.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- أقرأ أكثر ممّا أكتب. ربما لأنني لا أستطيع التركيز بالقدر الكافي لإنتاج الشعر أو النقد وإضافة ما يُمكن إضافته وحذف ما يجب حذفه. تبدو الكتابة الآن، على أهمّيتها، فعلاً زائداً عن الحاجة. تصحبُ فعل القراءة حالةٌ مكثّفة من التذكّر. تقول سوزان سونتاغ "التذكُّر هو فعل أخلاقي". اليوم في حالة غزّة، تكتسب الذاكرة قيمة أخلاقية استثنائية لأنها رابط عضوي حقيقي بين مقتل إنسان في غزّة وسيرة الإنسان الفلسطيني المظلوم: موته وحياته في السِّلم والحرب، داخل فلسطين وخارجها.
الكتابة الآن، على أهمّيتها، تبدو فعلاً زائداً عن الحاجة
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- إمكانيات واحتمالات العمل الإبداعي كبيرة وكثيرة، خصوصاً مع تعدُّد وسائل التأثير والتواصل في زمننا الحالي. فعالية العمل تعتمد على هدف العمل، مساحتُه في الفضاء العامّ وسياقه في الخطاب الجمعي. على سبيل المثال، لا يُمكن المقارنة بين عمل صريح ومُباشر كحوار "بودكاست" أو عرض "ستاند أب كوميدي" من جهة ومقالة أو كتاب نقدي أو تأريخي من جهة أُخرى، مع أنّ كلّها أعمال تستلهم حالة الإبادة والقتل في غزّة وفلسطين. الجمهور المتلقّي، في أحيان كثيرة، يظلم الأعمال الكثيفة والعميقة والتي تأخذ وقتاً في فعل المواجهة، والعكس أيضاً صحيح. علينا أن نُعطي كل عمل وزنه ووقته وفضاءه الخاص.
■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- لدي ميل دائم للتعامل مع أكثر من مجال معرفي ورؤية الإبداع من خلال أكثر من منظور. أعتبر نفسي محظوظاً لأنني أعمل في مجالَين فيهما تأثير كبير على روح العصر الذي نعيش فيه: الكتابة الإبداعية وهندسة البيئة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أن يكون منتبّهاً. ما أريده من العالَم هو أن ينتبه.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
- الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، والذي مرّت ذكرى رحيله قبل أيام. سأسأله "كيف بإمكان الشاعر المنكوب أن يكتب دون زعيق؟"
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
- علّمتمونا أشياء كثيرة جدّاً، منها أنكم لستم بحاجة أن تشرحوا لأحد أنكم آدميّون وأصحاب حقّ.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- جمعتنا اللغة. متى تجمعنا الأرض؟
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
- العالَم هو أنت يا دارين. لا تنتظري شيئاً من العالَم. ليس لأنه متواطئ أو شرير بل لأنّكِ أقوى وأصدق منه.
بطاقة
شاعر وباحث فلسطيني من مواليد القدس عام 1974. حاصل على دكتوراه في هندسة البيئة وماجستير في الكتابة الإبداعيّة. له أربع مجموعات شعريّة: "دواليب الرماد" (بالاشتراك مع عبد الرحيم الشيخ، 1998)، و"نوم كما أرى" (2001)، و"صحراء في المترو" (2013)، و"صورة العائلة البشعة" (2016). تُرجمت قصائده إلى لُغات عدّة منها الإنكليزية والفرنسية. عضو في لجنة الحقوق والحرّيات في "اتحاد الكتاب الكنديّين" وفي هيئة تحرير "مجلّة بريزم إنترناشونال" الأدبية الكندية. عضو مؤسس في "الجمعية الثقافية العربية الكندية". يشارك أشرف الزّغل في "معرض الكتاب العربي الكندي" بمدينة ميسيساغا، الذي افتُتح أمس، وسيقوم اليوم رفقة الكاتبة الفلسطينية باسمة التكروري بتقديم قراءات من "كتاب الوصايا - شهادات مُبدعات ومُبدعين من غزّة في مواجهة الموت" (تحرير ريم غنايم، "دار مرفأ")، ضمن فعاليات المعرض.