استمع إلى الملخص
- **الإبداع في مواجهة العدوان:** يؤكد الناقد على دور الإبداع في مواجهة العدوان، مشيراً إلى أن الإبداع يشمل الإعلام الجديد وطرق التعبير المميزة، وأن الكلمات قد تحيا أكثر من الأفعال النضالية.
- **التغيير والمواقف:** يعبر الناقد عن أمله في تغيير العالم والتخلص من الحكومات المستبدة، ويشيد بمظاهرات الطلاب، ويوجه رسائل احترام وصمود لأهل غزة وأطفال فلسطين.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "مَن أنا لأقول كلمةً للناس في غزّة؟"، يقول الناقد والمترجم المصري.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
الهاجس الذي يشغلني هو الخوف والقلق على المصير، ليس مصير فلسطين وأطفالها ومستقبلها فقط، وإنّما مصير أولادي وبلدي والعالم. أفكّر أنّه ربما يكفي ما أضعناه حتى الآن، نتحدّث ونُفكّر في سلام مزعوم، بينما لم يتوقّف أعداؤنا عن بناء قوّتهم وتطويرها، وعن العمل الدائم بكلّ السبل على إضعافنا.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
أنا مشغول، في معظم حياتي اليومية، بمتابعة ما يحدث. أُحاول أن أُنجز بعض الأعمال في التأليف والترجمة والتدريس، وما إلى ذلك ممّا يُمكن لحياتي به أن تستمر. لكن الجوّ العام كئيب ومحبِط، على الرغم من كلّ انهماك العالم والطلّاب خصوصاً (ما عدا مصر والعالم العربي للأسف) في التعبير عن موقفهم ممّا يجري.
■ إلى أي درجة تشعر أنّ العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
يُخيّل إلي أحياناً أنّ العمل الإبداعي هو الذي يبقى بعد كلّ هذه الإبادة المريعة. المبدعون الذين تمكّنوا من التعبير عن موقفهم سيبقى عملهم بعد الحرب التي ستنتهي يوماً ما. والحقيقة أنّ معنى الإبداع اتّسع ليتجاوز الأشكال الأدبية والفنية التي كنّا نعرفها، ويمتدّ خصوصاً إلى الإعلام الجديد وطُرقه المميّزة في التعبير.
رأيتُ في مظاهرات الطلّاب جانباً من التغيير المأمول
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
أحياناً يُصيبني اليأس ممّا أنا فيه ومن العجز العام، وأُفكر لو أنّي اخترتُ النضال المباشر بالسلاح وبالسياسة وبكلّ أشكال العمل العام. لكنّ الحقيقة تبقى أنّ الكلمات لا تموت، وربّما تحيا أكثر من الأفعال النضالية ذاتها، ليس فقط الشِّعر والقصّة والأغنية، وإنّما أيضاً مجرّد الكلمة المسموعة والمكتوبة في وسائل الاتّصال الجديدة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
أنتظر طبعاً وأحلم أن يتغير العالم، أن يتخلّص عالمنا العربي من حكوماته المستبدّة بألوانها المختلفة، وأن يرى العالَمُ من جديد مدى الظلم الواقع على الفلسطينيين الذين سُلبت أرضهم وبيوتهم بقلوب باردة وبعنف لا مثيل له. وقد رأيتُ في مظاهرات الطلّاب جانباً من هذا التغيير المأمول.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
تمنّيتُ لو قابلت عبد الرحمن الكواكبي، صاحب الكلمات المنيرة حول الاستبداد وطبائعه، وتؤلمني جدّاً نهايته الصامتة المحاطة بالأسرار والشكوك، موته المفاجئ، وكلماته المضيئة التي ظلّت بعد موته ترنّ في آذان الظالمين والمستبدّين وترعبهم.
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
مَن أنا لأقول كلمةً للناس في غزّة؟ نحن نتعلّم منهم على مدار ما يزيد على 300 يوم. الأطفال خصوصاً وما يملكونه من فصاحة لسان وجمالِ وجوهٍ وحماسٍ وألم. الشيوخ الكبار الصامدون، الأمّهات اللواتي لم تنقطع دموعهنّ ولا صمودهنّ. فقط أريد أن أطلب منهم ألّا ينتظروا منّا شيئاً؛ لأنَّنا بالفعل ميتون، لكن من دون كرامة الشهداء.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
أشعر أحياناً أنّه لم يعُد هناك من يمكن أن نسمّيه الإنسان العربي، وأنّ العرب الحقيقيّين أصابهم الخرس، ولا يكلّمون إلّا أنفسهم ووسائل التواصل التي تعمل ضدّهم. لا أعرف كيف يمكن استنطاق الصوت من كلّ هؤلاء الصامتين الذين يضجّ صمتهم بالصراخ.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
الحقيقة أنّني لا أملك ولا أستحقّ شرف الحديث إلى أطفال فلسطين، ومنهم دارين. وإذا كان لي أن أقول لها شيئاً فلن أقول إلّا: لا تغفري لنا ضعفنا وصمتنا أبداً.
بطاقة
ناقد ومترجم مصري من مواليد 1962 في مدينة كفر الشيخ، يعمل أستاذاً متفرّغاً للغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة. من مؤلّفاته: "تداخُل الأنواع في القصّة المصرية القصيرة" (1998)، و"عدوى الرحيل: نظرية ما بعد الاستعمار وموسم الهجرة إلى الشمال" (2010)، و"أنت: ضمير المخاطب في السرد العربي" (2016). ومن ترجماته: "الإمبراطورية تردّ بالكتابة: آداب ما بعد الاستعمار، النظرية والتطبيق" (2005)، و"يحيى حقّي؛ تشريح مفكّر مصري" (2009)، و"المتحدّثون؛ الأدب وانفجار الحديث" (2016)، و"مطاردة العلامات: علم العلامات والأدب والتفكيك" (2018).