استمع إلى الملخص
- المعرض يضم 14 عملاً نحتياً من الخشب والرخام، باستثناء عمل برونزي واحد، ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري، مستعرضاً تأثيرات العمارة والفنون الرومانية والمصرية القديمة.
- نجيب معين يدمج بين الإنساني والحيواني في أعماله، مستحضراً روح الحضارة المصرية القديمة، مع لمسات المدرسة الإيطالية في النحت، مستكملاً مساره الفني من معارضه السابقة.
أن يُفتتح فضاءٌ فنّي مُخصّص لـ النَّحت في أثناء أعتى لحظات الحرب - التي هي تمثيلٌ عن الهدم - فكرةٌ تبدو في ذاتها ردّ فعل جماليّ على واقع عنيف. بل إن أي عملية بناء، مهما بدت عاديّة، تستبطنُ في تلك اللحظة طاقةً مضادّة لعبَثية التَّحطيم وشروره، فكيف هو الحال إذا كان البناء قائمٌ من أجل غرض فنّي أبعد من الحدود الوظيفية؟
هذا ما يُحاوله القائمون على "وادي 99 آرت غاليري" في بيروت، المُخصّص للأعمال النَّحتية، والذي يسعى إلى "استعادة إرث فنّي مديد تجلّى في حضارات وادي النيل وبلاد الرافدين القديمة"، وفقاً لسطور التعريف بالمشروع المُدرَجة في موقعه الإلكتروني، من خلال استضافة نحّاتين مُعاصرين متنوّعي الخلفيّات والمشارب.
"REGNUM"، أو "المملكة"، للنحّات المصري المُقيم في إيطاليا نجيب مُعين (1981)، عنوان المعرض الأول الذي يحتضنه "وادي 99 آرت غاليري"، حيث افتُتح قبيل اندلاع الحرب الإسرائيلية بقليل في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، وكان من المفترض أن ينتهي في أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر، قبل أن يتم تمديده حتى نهاية الشهر الجاري، ويتألّف من أربعة عشر عملاً نحتياً تتّخذ من أنواع الخشب الماهوغني والصنوبر والزان خامةً رئيسية، مع تطعيم بعضها بالرخام، باستثناء عمل وحيد بعنوان "أيقونة"، نُحِت من البرونز بشكل كامل.
يستكمل معارضه السابقة التي تستلهم طُرز العمارة والفنون الرومانية
يستحضر الفنّان الإسكندراني روح ولمسات الحضارة المصرية القديمة التي يستند إليها بتلقائية، وإن كان حظُّها من النحت على الحجارة لا الخشب أوفر، نلحظ هذا في قسَمَات الوجوه/ الأقنعة التي تحملُها كائناتُه العجائبية، حيث لا تخفى ملامحها التي تُذكِّر بالمومياءات الفرعونية. لكن مُعين لا يُقيم هذه الوجوه على شرط الجسد، بل يحملُها على تمثيلات مختلفة، فتارة نحسبُها بيوتاً مُنمنمة بطبقات عديدة، ومرَّات يندمج فيها الإنساني والحيواني، وكأنها تلك النقوش المُعقّدة على جدران معابد الأُقصر والكرنك.
وبالنظر إلى توزُّع الأعمال في فضاء العرض، نجد أنّ الفنّان المصري آثر منْحَ مكانةً مركزية لعمله "الأبراج" المُكوّن من أربع قطع نُصُبيّة حجمُ كلٍّ منها 165 × 7 × 7 سم، وهو العمل الذي يحتفظ بالمقدار الأكبر من أسلوب النحّات، الحائز على الدكتوراه من "أكاديمية الفنّ" بمدينة كارارا الإيطالية، والشهيرة بنوع من الرخام يحمل اسمها. وهنا تبدو لمسات المدرسة الإيطالية في النحت، من الرومان إلى النهضة (الأعمال كلّها تحمل أسماء لاتينية قديمة)، متعشّقةً بالخبرة المصرية، والتي يمكن أن نستعير لها، مجازاً، مقولةَ "العاصي يصبُّ في التيبر" التي دلّت على قوّة حضور الشرق (زمن الأباطرة الحماصنة) في روما القديمة، ونُعدّل عليها قليلاً فتصبح "النِّيل يصبُّ في التيبر"، وهذه تأثيراتٌ تعود إلى الحقبة الهلنستية، وتعمّقت إلى حدٍّ ما مع الرومان.
بهذا، تستكمل "مملكة" نجيب معين المسار الذي انتهجه في "طريق أوريليوس" (عنوان لمعرض أقامه في "غاليري مصر" بالقاهرة عام 2017)، و"بازيليكا" (2019)، حيث استوحى فيهما أيضاً الطُرز المعمارية للحضارة الرومانية القديمة.