استمع إلى الملخص
- **شروط ومعايير قبول المُلصقات في الحملة**: تشترط حملة "منشورات لفلسطين" أن تكون المُلصقات حقيقية، تحمل رسائل واضحة تدعو لإنهاء الاستعمار والاحتلال، وتتجنب العبارات المرحة أو الرموز المعادية للسامية.
- **تنوع المشاركات والتركيز على القضايا المحورية**: تنوعت المشاركات في الحملة من حيث الأسلوب والمحتوى، مع إعادة إحياء رموز فلسطينية تاريخية وتركيز على مشاهد قاسية من غزة، بهدف إبقاء القضية الفلسطينية حية في الأذهان.
من أوسع وسائل التضامن مع القضيّة الفلسطينية انتشاراً في الآونة الأخيرة، هو استخدام المُلصقات التي تحمل عبارات مُختصَرةً أو صوراً تعبيرية، خصوصاً تلك التي تُظهر العَلم الفلسطيني أو أي تشكيل فنّي يُشير إلى ألوانه، حيث يكاد لا يخلو منها شارع أو محطّة قطار أو سُور أو عمود إنارة في أيّ مدينة أوروبية كبيرة.
مع بداية العُدوان انتشرت هذه المُلصقات بطريقة عفوية، حيث صمَّمها وطبعها ووزّعها متطوّعون، يعلّقونها بأنفسهم في الشوارع أو يوزِّعونها على المتظاهرين في المسيرات المتضامنة مع فلسطين، وهناك من أحبّ أن ينقل هذه التجربة برمزيتها التضامنية، والتي عبّأت الفضاء العام بصُور ذات طابع فلسطيني، إلى الفضاء الافتراضي، ومنهم نشطاء وفنّانون مقيمون في بلجيكا، حيث أطلقوا، مؤخّراً، حملة على موقع "إنستغرام" بعنوان "منشورات لفلسطين" (flyers for falastin) لجمع أكبر قدر من هذه المُلصقات وتأمين أماكن لتوزيعها في مدن أوروبية مختلفة، أو تسهيل طُرق الحصول عليها وطباعتها بالجودة الأصلية.
وقد بدأت الحَملة بتجميع عدد كبير من المُلصقات ونشرها تِباعاً على "إنستغرام"، حيث تجاوز عدد مُتابعيها المائة والعشرين ألفاً، ثم أُتبع ذلك بدعوة لكلّ المُصمِّمين والرسّامين من مُحترفين وهُواة، للمُشاركة في هذه الحَملة بإرسال تصميماتهم والتبرُّع بها للاستخدام المجّاني، لينشرها القائمون على الحملة عبر حسابهم على "إنستغرام" مع ذكر اسم مصمّمها، إن أحبّ، وتوفير رابط ملفّ "بي دي إف" لمن يُريد طباعة المُلصق وتوزيعه، كما يُعلنون بين الفترة والأُخرى عن أماكن مخصصة للحصول على كمّيات من هذه الملصقات المطبوعة، وكلّ مُلصق يحتوي في جانبه الخلفي على معلومات باللغات الإنكليزية والفرنسية والهولندية حول الطُّرق التي يقترحونها لمُساعدة صمود الشعب الفلسطيني.
مُلصقات وفنون إبداعية تُذكِّر بأنّ الإبادة ليست خبراً عادياً
لم ينشر القائمون على الصفحة معلومات شخصية عنهم سوى أنهم أربعة فنّانين يُقيمون في بلجيكا، وأنهم يخصّصون وقتاً لمُتابعة الحَملة ونشر المُلصقات بعد فراغهم من وظائفهم التي يعملون فيها، وهُم ليسوا من أبناء الجالية الفلسطينية أو العربية، حيث طلبوا في رسالة لهم ممَّن يُرسِل ملصقات باللغة العربية أن يكتُب ترجمة ما تتضمّنه مشاركته باللغة الإنكليزية حتى يستطيعوا أن يفهموها ويُقَدِّروا إن كانت مناسبة لإعادة النشر.
أمّا عن شروط قبول المُلصقات في الحَملة فيلخّصونها بأن تكون الأعمال حقيقية وتُمثّل صورة شخصية لا مُولّدة عن طريق الذكاء الاصطناعي، وأنّ شعار 'وقف إطلاق النار فوراً' وحده غير مقبول، وليس كافياً، "نحن نريد فلسطين حرّةً، وإنهاء الاستعمار الإحلالي، وإنهاء الاحتلال الدموي، واسترجاع الأراضي وإيقاف الصهيونية"، وألّا تحمل عبارات مَرِحة أو مُضحكة، نظراً لصعوبة الوضع في هذه الأوقات، وعدم إضافة الجولان السوري إلى خارطة فلسطين، حيث إنّ الجولان جزء من الأراضي السورية التي احتلّتها "إسرائيل"، وليس جزءاً من فلسطين، وعدم إضافة نجمة داود إلى المُلصقات إلّا إذا كانت جزءاً من عَلَم الدولة الصهيونية، وذلك حتى لا يتمّ ربط المُلصَق بمُعاداة الساميّة.
وأكَّد الفنّانون القائمون على "منشورات لفلسطين" ضرورة أن تحمل المُلصَقات "رسالة واضحة"، وأن تُسمَّى الأشياء بأسمائها: استعمار إحلالي، حرب إبادة، احتلال دموي وأن تُدعَى الناس إلى التحرُّك "فنحن لا نُريد مُجرّد أعيُن على فلسطين أو غزّة أو رفح نحن نريد الأيدي على عنق إسرائيل".
وقد أعدَّ الفنّانون الأربعة قائمةً ببعض الموضوعات التي يقترحونها على من يُحبّ أن يُشارك، وأهمّها الدعوة إلى التركيز على كلّ ما يحصل في فلسطين وليس فقط غزّة، وأن تتضمّن أعمالهم ذِكراً لأحداث مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية مثل "وعد بلفور" (1917)، وقرار التقسيم (1947)، ونكبة عام 1948، وانتفاضة الحجارة عام 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000، مع التركيز على قضايا حقوقية وإنسانية بعينها مثل استهداف الصحافيّين والأطبّاء بشكل مُتعمّد، أو تدمير التراث الثقافي أو العبث بالنظام البيئي في فلسطين، بالإضافة إلى لَفْت النظر إلى العمل الفاعل مثل حملات المقاطعة أو انتفاضات الطلّاب في مدن مختلفة حول العالم.
وبالفعل تنوَّعت المشاركات في الأسلوب والمحتوى، فقد تمّت إعادة إحياء لرموز فلسطينية تاريخية عديدة أهمّها "حنظلة"، ولوحات مُختلفة لرسّامين فلسطينيّين، أعاد المشاركون اكتشافها وحوَّلوها إلى ملصقات يتم تداولها وتوزيعها، كما برز العديد من الرموز الجديدة والأعمال الفنّية المُبتكرة، والتي تكون في أحيان عديدة، ردّاً مباشراً لحدَث أو مجزرة وقعت في غزّة، يُترجمه المشاركون إلى عمل فنّي، كلٌّ حسب قُدراته، فهناك الأعمال الاحترافية وهناك أعمال بسيطة لكنها مهمّة من حيث الأفكار التي تتضمُّنها.
وقد ركّزت بعض المشاركات في هذه الفعالية على إعادة تصوير بعض المشاهد القاسية جدّاً التي تخرج بشكل مُتواصل من قطاع غزّة، لكن يصعب على كثير من الناس تداولها أو مجرّد النظر إليها، لما تحمله من فظاعة تفوق تحمُّل البشر وقدرتهم على استيعاب حصولها بشكل دوري منذ قرابة العشرة أشهر، لكن هناك ضرورة أخلاقية للنظر ومتابعة ما يحدث في غزّة رغم أنّ الإنسان يضعف ويتألّم ويتأذّى نفسيّاً من هذه الصور، كي يظلّ ما تبقّى من ضمير العالَم يقظاً ومتحفِّزاً ويُسخِّر كلّ ما يستطيعه لإيقاف هذه الإبادة ومُحاسبة مرتكبيها، وهذه المُلصقات قدَّمت حلّاً مناسباً لئلّا ينكفِئ الناس عن متابعة ما يحصل في فلسطين، بحيث تدلّ هذه الصور على قصصها الأصلية من دون أن تكون حاضرةً بقسوتها المباشرة، وبذلك يقوى من ضعُف على مشاركتها ونَشرها والتذكير باستمراريتها.
تصوّر محطّات بارزة من تاريخ القضية كالنكبة والانتفاضتين
تنضمّ "منشورات لفلسطين" إلى مئات الحملات والمبادرات التطوّعية، التي يُنظِّمها ويتفاعل معها بشكل عفوي عشرات الآلاف حول العالَم، لرفع الأصوات التي تدعو لوقف الحرب ومحاسبة الاحتلال، فرغم كلّ القيود على المحتوى، ورغم محاولات القمع للمَسيرات والمُظاهرات حول العالَم، وابتزاز وتخويف الفنّانين والإعلاميّين والكتّاب على اختلاف مجالاتهم، إلّا أنّ هؤلاء ما زالوا يجدُون طُرقاً إبداعيةً يصلون من خلالها إلى الناس ويُبقون القضية حيّةً حاضرةً لا تغيب عن الأذهان.
واللافت في "منشورات لفلسطين" بالذات هو الوعي الذي يُديره بها القائمون عليها، فهُم لا يريدون الاكتفاء بتضامن صُوري لا يستند إلى ثقافة ومعرفة واسعتين بالقضيّة الفلسطينية وأبعادها التاريخية والسياسية، يدلّ على ذلك الإصرار على تجنُّب الأخطاء حتى لو كانت غير مقصودة، بالإضافة إلى تأكيد ما يرونه "تسمية الأشياء بأسمائها"، وذلك للدفع بإدانة الاحتلال وإحداث تغيير عادل للواقع الفلسطيني، لا الاكتفاء بالتباكي عليه.