استمع إلى الملخص
- ندوة "الذكاء الاصطناعي: أيّ حكامة في أفريقيا في عصر الرقمنة؟" أكدت على أهمية الذكاء الاصطناعي في الثورة الصناعية الرابعة وضرورة حوكمة فعالة لتحقيق الفوائد الاجتماعية والاقتصادية.
- اختتمت الفعاليات بندوة عن الكاتب محمد الأشعري، مع أنشطة إبداعية وتزيين جدران أصيلة، مما أضفى طابعاً ثقافياً وفنياً مميزاً.
في دورته الخريفية التي اختتمت أوّل أمس الخميس، أقام "موسم أصيلة الثقافي الدولي" الخامس والأربعون، في المدينة المغربية، عدداً من الندوات التي توزّعت بين "مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية" و"مكتبة الأمير بندر بن سلطان"، وتناولت قضايا مختلفة؛ مثل الحدود في أفريقيا، والنخب العربية في المهجر، والحركات الدينية والخطاب السياسي، والعدالة والديمقراطية.
ناقشت أُولى ندوات الموسم محور "أزمة الحدود في أفريقيا: المسارات الشائكة"، بمشاركة باحثين وسياسيّين ومسؤولين في هيئات ومؤسّسات أفريقية وصحافيّين مهتمّين بالشأن الأفريقي والدولي. وقد خيّم موضوع الاستعمار على الندوة، من خلال التطرُّق إلى تقاسُم القوى الأوروبية الرئيسية أراضي القارة الأفريقية في ما بينها خلال مؤتمر برلين عام 1885، ورسمها خريطة جديدة للقارّة، من دون مراعاة لسكّانها وسيادة بلدانها وثقافاتها وتاريخها. وبعد ذلك انطلقت حملة استعمار وحشية كانت لها آثار مدمّرة على المجتمعات والكيانات السياسية الأفريقية؛ ومن أُولى مظاهرها توزيع الأراضي وترسيم الحدود المصطنعة، وهو ما لا يزال يتحكّم في راهن الشعوب والبلدان الأفريقية إلى اليوم.
ولم تغب أسئلة النخب العربية في المهجر عن ندوات الموسم؛ إذ نُظّمت ندوة بعنوان "النخب العربية في المهجر: التحدّي القائم والدور الممكن"، بمشاركة عدد كبير من الكتّاب والمثقّفين والسياسيّين والصحافيّين. ولئن كان عنوان الندوة يشير إلى أنّ النخب العربية أصبحت من المكوّنات الفاعلة في النسيج الاجتماعي في العديد من بلدان المهجر، وخصوصاً في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية والجنوبية، وقد برز هذا الحضور في المسارات الانتخابية وفي نمط التمثيل السياسي والإدارة المحلّية، فإنّه يطرح، من جهة أُخرى، إشكالات كبرى تتعلّق بالأمن، والتنوّع الثقافي، وقضايا اللجوء والهجرة السرّية، وهي قضايا تُشكّل عناصر أساسية في الخطاب السياسي في زمن صعود النزعات الشعبوية التي تمثّلها أحزاب اليمين القومي المتطرّف.
ولأنّ عصرنا مطبوعٌ بالخطابات الدينية السياسية، فقد ارتأى "موسم أصيلة" تخصيص ندوة لموضوع "الحركات الدينية والحقل السياسي: أي تصوّر؟". وأمّا أرضية الندوة ومرتكزها فهي أنّ حركات الإسلام السياسي والتيارات الدينية استطاعت الاستفادة من حركية التغيير التي عرفها العالم العربي في العقد الماضي، إضافةً إلى تحوُّل الدين ليُصبح نشاطاً مدنياً (أهلياً) في العديد من المجتمعات العربية، وبروز دوره في العنف في الكثير من البلدان. وفي الوضعين، نلمس حضور المسألة الدينية في الأحداث الراهنة، رغم تراجع الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية وانفجار الصراع الفكري والعقدي داخل الحقل الديني، بين الاتجاهات المحافظة والتجديدية والتيارات المتشدّدة.
ولم يفت المنتدى تداوُل سؤال العدالة والديمقراطية من خلال ندوة بعنوان "قيم العدالة والنظم الديموقراطية". وقد أبرز المتدخّلون فيها ارتباط الديمقراطية، من حيث هي نمط من تكريس قيم الحرية والمساواة وإدارة التعدّدية، بالعدالة في منظورها الكوني القائم على الإنصاف وإحقاق الحقوق وحفظ كرامة الإنسان؛ ففي التاريخ الحديث، لم يكن هذا الارتباط متجسّداً في الواقع العملي في مراحل عديدة، أمّا اليوم فقد عادت هذه الإشكالية للواجهة، وأصبحت من محدّدات الحوار السياسي العمومي في الغرب، كما في بعض الدول العربية.
ولأنّ الذكاء الاصطناعي أصبح واقعاً ملموساً على مستوى النقاش العلمي، فقد نُظمت ندوة بعنوان "الذكاء الاصطناعي: أيّ حكامة في أفريقيا في عصر الرقمنة؟". أوضح المتدخّلون أنّ نقاش الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون قوّة دفع في أفريقيا، أي ركيزة أساسية في الثورة الصناعية الرابعة، ويُمكن أن يشكّل قوّة تكنولوجية لمساعدة أفريقيا على أن تكون أكثر إنتاجية وفعالية، ولمواجهة التحدّيات التي تعرفها القارّة. وتهدف ما أطلقت عليه الندوة "حوكمة الذكاء الاصطناعي" إلى وضع إطار لاستخدام وتطوير القطاع؛ حيث يرى العديد من الخبراء أنّ التكنولوجيات الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تُمثّل فرصة لأفريقيا، وأنّها تحمل العديد من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية.
انشغل المغرب مؤخّراً بقضية توظيف الموارد البشرية مدخلا من المداخل إلى المجتمع الحديث. وفي هذا السياق، ارتأت التظاهرة تخصيص ندوة لموضوع "شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية". وقد سعت الندوة إلى إيضاح أنّ توظيف الموارد البشرية في القطاع الثقافي هو ركيزة أساسية لتنمية المجتمع وبناء الهوية الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي وإبراز التنوّع الثقافي.
واختتمت فعاليات الدورة الحالية بندوة عن الكاتب المغربي محمد الأشعري، تناول المشاركون فيها الأوجه المتعدّدة للكاتب؛ فهو شاعر وروائي وصحافي ورجل سياسة شغل منصب وزير الثقافة على امتداد عشر سنوات. ومنذ ديوانه الأوّل "صهيل الخيل الجريحة" (1978)، ومحمد الأشعري يُصدر الكتاب تلو الآخر، ويخوض في الأسئلة الأدبية والسياسية والصحافية في المغرب. وهكذا، تناول المتدخّلون في الندوة تجربة الأشعري الواسعة في الشعر والرواية، وفي التجربة الصحافية والسياسية، كما في خوضه في تسيير الشأن العام من خلال وزارة الثقافة.
وبالموازاة مع الندوات، تضمّن الموسم الخامس والأربعون أنشطة إبداعية وورشات أدبية وفنّية، كما تزيّنت جدران مدينة أصيلة بجداريات ولوحات أنجزها فنانون من المغرب وإسبانيا، إلى جانب ورشات لتعليم الرسم للأطفال، ومعرض "خطوط" للفنان عبد القادر المليحي، والذي سيستمر حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأوّل من العام الجاري.