استمع إلى الملخص
- **أهمية الديمقراطية وتحدياتها**: يوضح الكتاب أهمية الديمقراطية رغم التحديات، مثل عدم توفير الأمن أحيانًا، ويشير إلى تحول الدول من السلطوية إلى الديمقراطية، مما يعزز محاسبة صنّاع القرار.
- **أسئلة الديمقراطية ونماذجها**: يطرح الكتاب أسئلة حول مفهوم الديمقراطية، ويستعرض نماذجها المختلفة، من ديمقراطية النخبة التنافسية إلى ديمقراطية المشاركة، ويناقش قضايا مثل الاستقلال الذاتي في ظل العولمة.
ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت النسخة العربية من كتاب "نماذج الديمقراطية" لأستاذ العلوم السياسية والباحث البريطاني ديفيد هِلد، بترجمة الباحث السوري الراحل فاضل جتكر.
الكتاب، الذي صدر في طبعته الثالثة محدَّثاً، تتركز أقسامه الثلاثة بفصولها الإحدى عشرة في بحث ظاهرة الديمقراطية منذ عهود اليونان القديمة السحيقة وقدامى الإغريق إلى يومنا الحاضر برأسماليته واشتراكيته، وصراعاته القومية والعرقية والدينية، وأنظمته المتراوحة بين أقصى اليمين واليسار والوسط، وتلك التي لا تداول للديمقراطية فيها، ويستعرض أيضًا حسنات تطبيق الديمقراطية وصعوباته وفق تعريفها بـ "حكم الشعب"، ويرى أنها النظام الأفضل للحكم.
يبحث الكتاب ظاهرة الديمقراطية منذ عهود اليونان القديمة السحيقة وقدامى الإغريق إلى يومنا الحاضر
مع إصدار ديفيد هِلد طبعتين من كتابه نماذج الديمقراطية في ظل حقبة عالمية وثقافة مستقرّتين نسبيًّا يسَّرتا له التعميم، جاءت طبعته الثالثة المنقّحة (في عام 2006) في زمن مضطرب، شهد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 وما تلاها من حروب العالم الرأسمالي على أفغانستان (2002) والعراق (2003)، والتي أطلقت موجات هائلة ذات صخب وتلاطم ومَورٍ من التغيير أحدث ارتطامها بصخور الواقع في أرجاء المعمورة الحساسة انقلابًا جذريًّا، حتى بلغ تأثيرُها الديمقراطيةَ، التي بدأت تواجه بعد استقرارٍ ضغوطًا شديدة أمام التحديات الأمنية، وخوض العالم الرأسمالي "الحرب على الإرهاب"، وتداعيات "تغيير نظام الحكم" في العراق، فضلًا عن استشراء إحساس بعدم قدرة الديمقراطيات على توفير الأمن أو إدامة الازدهار أو زرع مُثُل عليا أو الدفاع عن "حكم الشعب" وحرية البشر ومساواتهم وحقهم في تقرير مصائرهم، إضافة إلى انتشار تساؤلات عن مدى شرعية المؤسسات الدولية الراهنة وفاعلية الفصل بين الدين والدولة أمام صعود جماعات أصولية إسلامية ومسيحية ويهودية تنظر إلى الديمقراطية بعين العداء، بحسب بيان "المركز العربي".
أهمية الديمقراطية
يسعى الكتاب إلى تبيان أهمية الديمقراطية في تسيير الشؤون البشرية، وأسباب الاعتراض عليها، وظروف بقائها، وأنها أفضل صيغ الحكم الممكنة (رضى الشعب) على الرغم من مَواطنِ التوهين المحيطة ورأيِ الكاتب نفسه في أنها ليست علاجًا شاملًا للمشكلات البشرية. إن نظرة متفحّصة إلى صعاب الحاضر لا بد أن توصل صاحبها إلى أن حقبتنا هي العصر الديمقراطي حقًّا؛ فالاشتراكية التي ظلت منيعة لعقود انهارت تمامًا بينما استمرت الديمقراطية ترسّخ أقدامها في ظل الرأسمالية بوصفها نموذجًا للحكم ليس في الغرب فحسب بل خارج نطاقه. فبعد تسمية أكثر من ثلثي دول العالم، في أواسط سبعينيات القرن العشرين، دولًا تسلّطية، أصبحت اليوم أقل من الثلث، وتترسّخ فيها أكثرَ قدرةُ المواطن/ الناخب على محاسبة صنّاع القرار. إلا أن الفرحة بالديمقراطية لم تُستكمل؛ إذ ظهر اعتراض جوهري على فكرتها، وتاريخها الحافل بالتأويلات المتضاربة، واختلاط مفاهيمها القديمة بالحديثة الذي أنتج تصوّرات ملتبسة عن أهم مصطلحاتها: "المشاركة السياسية"، و"الاختيار الحر"... وهلمَّ جرًّا. لكنّ سمات الألفية الجديدة لا تنحصر في هذه الهموم الديمقراطية "المحلية"، بل تُبرِز قضايا تخص الأسرة الدولية برمّتها، كالعولمة الاقتصادية وقضايا البيئة وحماية حقوق الأقليات، وتفرض على الديمقراطيات "القومية" إعادة دراسة علاقتها بالتحولات العابرة للقارات والمناطق التي استُجِدّت عليها قضايا أخرى، مثل مرض نقص المناعة (الإيدز) وديون "العالم النامي"، والموارد المالية المتفلتة وتدفّقها عبر الحدود، وتجارة المخدرات الدولية، والجريمة العالمية، والإرهاب الدولي، ولا يزال الغموض يلف معايير اتخاذ قرارات بصددها.
أسئلة الديمقراطية
ويشير الكتاب إلى أن الأنظمة السياسية وقادتها في العالم، حتى الاشتراكية منها، تدّعي الديمقراطيةَ لشرعنة حكمها، في حين يوجد تباين جوهري بين ما يفعله هؤلاء القادة وبين الديمقراطية. فمنذ اليونان القديمة حتى عصر العولمة، لما يزل أكثرُ أساطين السياسة ينتقدون الديمقراطيةَ، ولم يظهر الالتزام الظاهري العام بها إلّا في أوروبا القرن العشرين، التي عانت صعوبات جمّة في إنشاء الديمقراطية وتطبيقها بعد أن كادت الفاشية والنازية والستالينية تستأصلها، وصعوبات أكبر في إدامتها. وهي صعوبات أثارت لدى المشرِّعين القانونيين أسئلة جوهرية خلال عملهم على تشريح تعريف الديمقراطية ("الحكم مِن قِبل الشعب")، مثل: مَن هو الشعب؟ وما نوع حكمه المتصوَّر؟ وما شروط مشاركته فيه؟ وما مدى اتساع أفق "الحكم" أو ضيقه؟ وأي ميدان هو الأنسب لممارسة الديمقراطية؟ وهل تنطوي عبارة "حكم مِن قِبل" على وجوب الطاعة؟ وفي أي ظروف تخوَّل الأنظمة الديمقراطية اللجوء إلى القسر؟ وهل يتعيّن أن يتعلم الحاكم قبل أن يصبح ديمقراطيًّا؟ وهل تشكّل الثروة الاجتماعية ضرورة للحفاظ على النظام الديمقراطي؟ وهل تبقى الأنظمة الديمقراطية خلال أوقات الطوارئ القومية والحروب؟ وما المدى الذي ينبغي للديمقراطية أن تبلغه؟ وما المجالات التي تطبَّق عليها؟ وغيرها من الأسئلة التي لم تُحسم، وحاول المؤلف الإجابة عنها.
يذكر القسم الأول أربعة نماذج للديمقراطية في أربعة فصول: الفصل الأول يعالج فكرة الديمقراطية الكلاسيكية في أثينا القديمة، والمفهوم الجمهوري للجماعة الذاتية الحكم. ويتطرق الفصل الثاني إلى صيغتين للحكم الديمقراطي: النزعة الجمهورية الحمائية، ونظيرتها التنموية. أما الفصل الثالث، فخُصص للحديث عن الديمقراطية الليبرالية بصيغتين مختلفتين: الديمقراطية الحمائية، والديمقراطية التنموية. ويشرح الفصل الرابع التصور الماركسي للديمقراطية المباشرة ونهاية الحكم.
القسم الثاني من الكتاب يتولى في فصول خمسة مهمة استكشاف نماذج ديمقراطية عائدة إلى القرن العشرين دأبت في إثارة حشد كثيف من النقاشات والنزاعات السياسية: الفصل الخامس يتناول ديمقراطية النخبة التنافسية وتأثيرها، وصراعها، ومصيرها، وعلاقتها بالرأسمالية والاشتراكية. وفي الفصل السادس عرْضٌ لأشكال التعددية والديمقراطية القانونية وديمقراطية المشاركة والديمقراطية التداولية، في ظل رأسمالية الشركات والدولة. أما الفصل السابع، فيبحث في الأزمات الديمقراطية في فترات الاستقرار ما بعد الحرب، الناتجة من قمع الأنظمة التي تدّعي الديمقراطية، وأعباء الديون، وتقييد الحريات، والتفلّت من تطبيق القانون. ويتناول الفصل الثامن ما مثّلته الديمقراطية بعد الشيوعية السوفييتية من انتصار للّيبرالية الاقتصادية والسياسية، في حين يعرض الفصل التاسع (الأخير في القسم الثاني) لتداول الديمقراطية ومحدودية نظرياتها وغايات التداول و"الحيدة" ونقّادها.
أما القسم الثالث، فيبحث في فصلين اثنين بعض القضايا المركزية للنظرية والممارسة الديمقراطيتين ومعنى الديمقراطية اليوم: الفصل العاشر يعالج الاستقلال الذاتي في الديمقراطية وجاذبيتها، وكيفية تفعيل مبدئها، ويستعرض تراث النظرية الديمقراطية قديمًا وحديثًا، كما يبين التوافق والتنافر في تطبيق الديمقراطية، ويتطرق الفصل الحادي عشر (آخر فصول الكتاب) إلى بحث تطبيق الديمقراطية في الدولة "القومية" في ظل نظام عولمي كوني، وشرعية الديمقراطية داخل الحدود القومية وخارجها، والموقف من التدفقات غير المتحكَّم فيها، وإعادة النظر بالديمقراطية للعصر الكوزموبوليتي.