هان كانغ.. نوبل للأدب أم قبلة الموت؟

11 أكتوبر 2024
الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ في سيول 24 أيار/ مايو، 2016 ( Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تُعتبر جائزة نوبل للآداب مثيرة للجدل، حيث يراها البعض لعنة تؤثر سلبًا على الفائزين، مثل هاري مارتينسون الذي انتحر بعد فوزه، مما أسس لمفهوم "لعنة نوبل" التي تؤثر على الإبداع في الأدب والعلوم.
- بعض الفائزين، مثل ماركيز وشتاينبك، عبروا عن مخاوفهم من تأثير الجائزة، بينما تمكن آخرون مثل إليوت وساراماغو من تجاوزها. ومع ذلك، شعر البعض بتأثيرها السلبي على حياتهم الشخصية.
- تمتد "لعنة نوبل" لتشمل المرشحين الدائمين، مما يثير تساؤلات حول تأثير الجائزة على الإبداع، كما تواجه الفائزة لعام 2023، هان كانغ، تحديات جديدة بسبب صغر سنها.

هل هي لعنةٌ أم أعظمُ اعترافٍ أدبيّ في العالم؟ بالعودة إلى تجربة بعض الفائزين بـ"جائزة نوبل للآداب"، والتي تبلغ قيمتها المالية 10 ملايين كرونة سويدية، أي ما يقرن مليون يورو، ونالتها أمس الخميس الروائية الكورية الجنوبية هان كانغ (1970)، سنلاحظ أنَّ الجائزة بالنسبة إليهم كانت لعنةً أكثر من كونها اعترافاً أدبياً عالمياً.

قد يكون الكاتب السويدي هاري مارتينسون، الذي حصل على الجائزة عام 1974، المثال الأكثر مأساوية، حيث صرّح في أكثر من مناسبة أنّ الجائزة "دمرت وجوده ككاتب وكإنسان على حدّ سواء". ولهذا التصريح ما يبرّره؛ فالشاعر كان عضواً في الأكاديمية المسؤولة عن منح الجائزة، لذلك اعُتبر حصوله عليها عملية تزوير. هكذا أدخلته الانتقادات في حالة اكتئاب؛ الأمر الذي دفع به إلى الانتحار على طريقة الساموراي، مقطّعاً أحشاءه. 

أسّست هذه الحادثة لما سيُعرف لاحقاً باسم "لعنة نوبل"، لا سيّما مع اقتراب المنعطف الأخير من الألفية الثانية. لم تقتصر هذه اللعنة على "نوبل للأدب"، بل شملت غيرها من الفئات العلمية، حيث توقّف الباحثون الذين حصلوا على أقصى قدرٍ من الاعتراف في مجالاتهم، عن البحث بدقّة، أو راحوا يتناولون مسائل لم يكونوا متخصّصين فيها، أو دخلوا في حالة ثبات علمي أو أدبي. 

قد تكون جائزة نوبل غير مؤذية بحدّ ذاتها، لكن إذا عدنا إلى بعض الأسماء الموجودة في لائحة الفائزين، مثل الروائي الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا (1989) أو الجنوب أفريقية نادين غورديمير (1991) أو الشاعرة والروائية الألمانية هيرتا مولر (2009)، فإنهم لم يكتبوا أي عمل جوهريّ وهامّ بعد حصولهم على الجائزة، وهم اليوم أمواتٌ من ناحية الحضور الأدبي، فقليلون هُم أولئك القرّاء أو حتى الكتّاب الذين يعودون إلى أعمالهم ويستلهمون منها.

غير أنّ هذه اللعنة، بطبيعة الحال، لا تصيب جميع الفائزين بالجائزة. فشاعر من قامة إليوت، أو كاتب مثل خوسيه ساراماغو، لم تؤثّر عليهما هذه الجائزة، لأنّ لهما عالما أدبيا عميقا وصلبا فنّيّاً، والذي لا يمكن لأية جائزة أن تؤثّر فيه. أمّا اللعنة، فلا شك أنّها تحلّ على أولئك الذين يفتقدون للصلابة الفنّية أو الأدبية، ويتأثّرون بالأبعاد الجيوسياسية للجائزة.

لعنة "نوبل" لم تُصب من فاز بها فحسب، بل من لم يفز أيضاً

ولكن هذا لا يعني أنّ كتاباً من حجم غابرييل غارسيا ماركيز لم يعبّروا عن مخاوفهم من "لعنة نوبل"، ولأسباب مختلفة. فقد وصف صاحب "مائة عام من العزلة"، في أكثر من مناسبة، الجائزة بأنها "غار الشيخوخة"، حتى إنّه قال عام 1980 إنها "حُكم بالموت: فقد لاحظتُ أنّ العديد من الفائزين مثل ألبير كامو، وخوان رامون خيمينز، وبابلو نيرودا، ولويجي بيرانديللو ماتوا بعد أقلّ من سبع سنوات من استلامهم للجائزة".

كاتب آخر هو الأميركي جون شتاينبك الذي حاز الجائزة عام 1962، وصفها بأنّها "قبلة الموت". وبالفعل، لم يستمتع بها بسبب رحيله بعد وقت قصير من حصوله عليها. رغم ذلك، تمكّن ماركيز من تحدّي لعنة الجائزة مرّتين: فقد فاز بها عام 1982، ولم يمت حتى عام 2014، كما أنّه نشر بعضاً من أفضل أعماله الروائية مثل "الحب في زمن الكوليرا" (1985)، بعد نيله إياها.

كتّابٌ من زمنٍ آخر مثل فوكنر وهمنغوي اعتبروها "أغنية البجعة" واعترافاً متأخّراً بالمؤلّفين، وآخرون من الجيل الجديد كانت لهم آراء سلبية حولها. الشاعرة البولندية فيسلافا شيمبورسكا زعمت أنّ الجائزة التي حصلت عليها عام 1996 دمّرت حياتها الخاصة وحوّلتها إلى "شخصية رسمية". ذلك أيضاً ما اكتشفته الكاتبة البريطانية دوريس ليسينغ، التي علمت بخبر فوزها بالجائزة عام 2007 وهي في سيّارة أجرة، فنزلت منها وشهقت: "يا رب، أعنّي". تصريحات الكاتب الصيني مو يان، الحاصل على الجائزة عام 2012، ليست مختلفة كثيراً. فبعد خمس سنوات من حصوله عليها، سيغمغم قائلاً: "يا إلهي، لا أستطيع أن أكتب شيئاً". 

الفرنسية آني إرنو، والتي نالت الجائزة عام 2022 اعترفت مؤخّراً، هي أيضاً، بأنّ "نوبل للأدب" لم تكن "شيئاً مفرحاً أبداً"، فالجانب الرسمي منها "ثقيل"، وسرق منها "وقت الكتابة كلّه". تتابع: "لقد حوّلتني الجائزة إلى شخصية عامّة. سابقاً كنتُ كاتبة فحسب، أمّا الآن فقد تحوّلت إلى أيقونة أو رمز، أو إلى أي شيء من هذه الكلمات التي تفتقد بالنسبة إليّ إلى المعاني".

وسواء تعلّق الأمر بلعنة نوبل أو بلعنات غيرها من الجوائز، فإنّ من يحدّد الأمر حقّاً هو الكاتب نفسه، وربما التوقيت الذي يحصل فيه على الجائزة. فقد تكون أيّة جائزة بالنسبة لكتّاب متقدّمين في العمر بمثابة لعنة أو قبلة موت، لكن هذه القبلة فيها من إثارة إعادة طباعة الكتب وترجمتها إلى معظم لغات العالم وتسليط الضوء العالمي على الكاتب ما فيها. 

وربّما لن يكون ناجعاً أمام قبلة الموت المغرية هذه إلّا ما فعله سارتر، الذي رفض الجائزة وقيمتها المالية خوفاً من أن "تؤثّر على كتاباته" وأن تحوّله إلى كاتب "مؤسّساتي". لقد كان النموذج الوحيد للكاتب الذي رفض إثارة قبلة الموت هذه على مرّ التاريخ.

غير أنّ لعنة "نوبل" لا تُصيب من فاز بها فحسب، بل ربّما تكون لعنتها أكبر وأكثر تأثيراً على أولئك الذين ظلّوا سنوات مرشّحين دائمين لنيلها، لكنّهم لم يحصلوا عليها، وربما طاولت لعنتها أيضاً أولئك المبدعين الذين يشعر العالَم كلّه بأنّه يجب أن يحصلوا عليها، لكن حتى الآن لم تر اللجنة ذلك. فهل هذه لعنة أُخرى من لعنات نوبل! 

قد يكون خبر حصول الروائية الكورية الجنوبية على جائزة نوبل لهذا العام أمراً مثيراً. فهل قرّرت لجنة الجائزة أن تمنحها لامرأة شابّة نسبياً (وُلدت عام 1970) كي تكون تميمةً أمام لعنة الموت؟ ثم إنّ اللعنة الأُخرى التي قد ترافق كانغ هو أنّها أصغر فائزة بالجائزة منذ 37 عاماً، فكيف ستتعامل كاتبة شابة من كوريا الجنوبية مع هذا الاعتراف الأدبي من الغرب وربما من العالَم بأسره؟  وهل ستكون هناك قبلة موت بشفاه كورية؟

المساهمون