هشام البستاني.. المؤسسة الثقافية أداة للرقابة

23 اغسطس 2021
(من الوقفة الاحتجاجية)
+ الخط -

على أدراج "المركز الثقافي الملكي" في عمّان، اعتصم، أول من أمس السبت، مجموعة من الكتّاب والناشطين، للتعبير عن إدانتهم لقرار المركز منع إقامة حفل توقيع القاص والباحث الأردني هشام البستاني كتابه الجديد "الكيانات الوظيفيّة: حدود المشاركة السياسيّة في المنطقة العربيّة ما بعد الاستعمار"، شريطة حصوله على موافقات أمنية من وزارة الداخلية، والتي لم تُمنح أيضاً رغم تقدّم البستاني للحصول عليها.

شعارات عديدة رفعها المشاركون، ومنها "المراكز الثقافية أموال عامّة؛ ملك المواطنين والفاعلين الثقافيين"، و"لا للحاق القطاع الثقافي بالقرار الأمني"، و"المراكز الثقافية ليست ملكاً خاصاً لإدارتها"، و"مركز ثقافي أم مركز أمني"، ولم تشارك أيّة هيئة أو جمعية ثقافية في الاعتصام، رغم توجيه الدعوة إلى بعضها، ما يطرح تساؤلات جدّية حول دور هذه الهيئات وقدرتها في الدفاع عن الحريات العامة.

في كواليس المشهد، فإن التسريبات من أوساط وزارة الثقافة والمركز الثقافي الملكي الذي يتبعها إدارياً، تشير إلى أن مديره شكّل لجنة لقراءة كتاب البستاني، بعد الموافقة على حفل التوقيع الذي كان مفترضاً إقامته الخميس الفائت، بمشاركة الناقد فيصل دراج والباحث تيسير أبو عودة والناشر ماهر كيالي، وأتى قرار اللجنة الذي تمّ رفعه إلى وزارة الثقافة بأن محتوى الكتاب معادٍ للدولة الأردنية، ما استدعى إبلاغ وزارة الداخلية وطلب موافقتها الأمنية، بناء على تقرير وضعته المؤسسة الثقافية ضدّ الكتاب ومؤلّفه.

مُنعت الفعالية بذريعة عدم وجود موافقة أمنية على إقامتها

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يرى الكاتب الأردني عبد السلام صالح، أن "ما حدث مرفوض جملة وتفصيلاً، بعيداً عن مضمون الكتاب، فالكاتب لديه الحق أن يقول كل ما يريد، وهو القادر على قراءة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل"، لافتاً إلى أن هناك "خللاً بنيوياً لدى الهيئات الثقافية التي تم الاشتغال عليها، على مدار العقود الماضية، من قبل السلطة وأجهزتها، ما يحول دون القيام بمسؤولياتها في مواجهة التهميش والمنع".

ويلفت صالح، عضو إدارية "رابطة الكتّاب الأردنيين"، إلى الأوضاع التي تعيشها هذه الهيئات، وفي مقدّمتها الرابطة التي تبدو غير حاضرة وغير قادرة على تحمّل أدوارها الأساسية ممثّلة بالدفاع عن الحريّات، كما مارستها خلال سنوات ماضية، موضحاً أن هناك صراعاً لا تزال تعيشه هذه الهيئات من أجل تفريغ مضمونها والتخلّي عن دورها النقابي، وهو صراع لم يحسم بعد، لكن معطيات عدّة تشير إلى مزيد من التبعية للسلطة.

(هشام البستاني)
(هشام البستاني)

ويؤكّد صالح أن "الكاتب كفردٍ غير قادر وحده على الوقوف ضدّ تغوّل مؤسسات الدولة، ولا خيار إلا بالعودة للعمل في إطار جماعي مهما بدت الحلول الفردية ناجحة أحياناً، ولا خيار إلا ببذل الجهود من أجل تغيير عقلية السلطة التي لا تزال ترى المثقف معارضاً لها، وتتعامل معه على قاعدة إخضاعه. وربما تشكّل هذه الحادثةُ فرصةً لإعادة الاعتبار للمثقف والمؤسسات الثقافية، من خلال عدم السكوت، والتعبير عن رأيها الرافض والصريح ضدّ أيّ انتهاك يتعرّض إليه الكاتب، أو مصادرة لحريته في التعبير عن رأيه.

أما القاصة جميلة عمايرة، فتبيّن أن "المشهد بائس، وأن الواقع السياسي ينسحب على الثقافة والمجتمع. وهناك توجّه ما، خفيّ، من أجل تهميش كلّ ما هو ثقافي جوهري"، مضيفة "لا جدوى من وجود المؤسسة الثقافية الرسمية في ظل النكوص عن دعم الكاتب وحقوقه وحرياته، مقابل تراجع الروابط والاتحادات الثقافية التي أصبحت عاجزة عن القيام بالحد الأدنى المأمول منها، ويترافق ذلك مع تغييب للدور الحقيقي الذي يمارسه المثقف الحرّ والإعلام المهني، لصالح كتّاب التدخل السريع الذين لا همّ لهم سوى تجميل أخطاء السلطة وعيوبها". وتختم بالتذكير بأنّ "المؤسسات والمراكز التابعة لوزارة الثقافة ملك عام للمواطن دافع الضرائب، وليست ملكية خاصة لإدارة الدولة وأجهزتها".

"الثقافة هي أداة أخرى من أجل استدامة السلطة وبث دعايتها وتكميم الأفواه، خاصة النقدية منها، ومن تقدّم قراءة علمية، من أجل إلغاء وجودها، ومنع أن يكون رأيها مادة للنقاش العام"، يقول البستاني الذي يرى أن "الفضاء الثقافي في الأردن دعائي، وملحق بالسلطة، ومطلوب منه تعزيز خطابها، كما تبرزه احتفالات مئوية الدولة، ومحاولات التأريخ لها من منظور السلطة، في إغفال وتجاهل لأية ظواهر أو شخصيات تقدّم رؤية مختلفة عنها".

غلاف الكتاب

ويوضّح أنّ كتابه يتحدّث عن نشأة الأردن بوصفه كياناً من مفرزات الاستعمار، ويؤصل لذلك كمفهوم، وليس من باب الشتم السياسي، وهو لا يتناول الأردن فقط، بل يستعرض الكيانات العربية التي نشأت في ظروف مماثلة بعد الاستعمار، كما يمكن تعميمه على العديد من بلدان العالم الثالث.

ويتطرق البستاني إلى رسالة شخصية أوصلها قرار منع إقامة حفل توقيع كتابه، بالنظر إلى تجربته كمثقف لا يكتفي بالتنظير، إنما يسعى لاشتقاق الأفكار في مسار عملي، من خلال انخراطه في مقاومة التطبيع والدفاع عن الحريات العامة في الأردن، لافتاً إلى حوادث منع سابقة حصلت معه، حيث مُنع عرض مشروع قراءات صوتية تجمع بين نصوصه ونصوص عرار وتيسير سبول في معرض أقيم عام 2017، والتراجع عن تسميته في عضوية هيئة تحرير "المجلة الثقافية" في الجامعة الأردنية بعد شهر من تكليفه.

كما ينبّه البستاني إلى رسالة ثانية تتمثّل "في الهيمنة والاستحواذ المطلق على المنشآت العامة والفضاءات، من أجل خدمة السلطة، وتصفية الحسابات مع خصومها، وصولاً إلى إفراغ البلد من إمكانيات الحرية والإبداع، مع وجود نقابات وهيئات ثقافية تدافع عن الرقابة نيابة عن السلطة نفسها".

المساهمون