بعد عمله لأكثر من اثني عشر عاماً مصمماً غرافيكياً في مجال الإعلان، قرّر الفنان المكسيكي هوراسيو كيروز التوقف عن تصميم حملات دعائية تديم الأفكار القديمة والصور النمطية التي تروج لاستهلاك منتجات غير ضرورية. من هذه المساحة، توجّه نحو الرسم.
ولأنه لم يعش إلا في المكسيك، ليس بالمعنى الحرفي للكلمة فحسب، إنما يشير في مقابلة صحافية إلى أن كل تصوراته حول العالم تنطلق من بلاده، التي يراها أنها تعيش تناقضات تخص الهوية التي تتأرجح بين حداثة المستعمِر وبين ثقافة أصيلة سعى هذا المستعمِر إلى طمسها.
حتى الثاني من الشهر المقبل، يتواصل في "غاليري أنكا كولتيس" بلندن معرض كيروز الذي افتتح في الرابع من الشهر الجاري، ويضمّ سلسلة لوحات تحاكي أرصفة مدينة مكسيكو بما تحتويه من شقوق واعوجاجات واختلافات في مستوى الحجارة المرصوفة والاسمنت المستخدم في بنائها.
ويرسم الفنان أجساماً عملاقة تختلط تفاصيلها بين ملامح بشري وأخرى لكائنات أسطورية ترتبط بقطع حجرية رخامية، يستخدم في رسمها ألوان الباستيل والألوان الزيتية غالباً وهم في حالات متنوعة؛ تتأرجح أحياناً أو ترقص أو تحبو أو تزحف.
يتعمّد كيروز إبراز فوضى لونية عبر دمجه الألوان على نحو عشوائي ما يعطي حيوية لتلك الحجارة الصخرية التي تشير مفاهميمياً إلى المادة المؤسسة للكون والإنسان وكل الترسبات والطبقات الجيولوجية للأرض، بدءاً من الانفجار العظيم وعمليات الضغط ودرجة الحرارة التي شكّلت قشرة الأرض، وصولاً إلى التماثيل الأولى التي نحتها الإنسان العاقل في تصوّره للآلهة التي تتحكّم بالطبيعة.
وتتناثر كل أساطير ومعتقدات وثقافات البشر من خلال تفتت الصخر، في محاولة احتجاجية من قبل كيروز على إفساد الإنسان للعالم عبر اختراع الملكية الخاصة والثورة الصناعية والاحتباس الحراري، والنظام الرأسمالي برمّته، وعدم المساواة، وكل الكوارث التي أنتجتها اختلافات وحروب البشر على أسس عرقية ودينية وغيرها.
يمزج المعرض بين أساطير شعوب جبال الأنديز في أميركا اللاتينية وبين الأساطير الرومانية التي جلبها معه المستعمِر الإسباني ليشكّلا معاً ثقافة المكسيك، حيث يخلط بينها في محاولة لتكثيف تناقضاتها وعيها تجاه الكون والإنسان والروح والمادة.