"وحدة الموسيقى العربية والتركية": سيرة تأثير متبادَل

30 مايو 2023
محمد عبد الوهاب، 1981 (Getty)
+ الخط -

رغم سياسة "التغريب" التي أسّس لها مصطفى كمال أتاتورك، في ثلاثينيات القرن الماضي، وظلّت قائمة في تركيا حتى عقودٍ قريبة، مُبعدةً البلد عن مُحيطه، ودافعةً إيّاه نحو الاقتداء بنموذج أوروبيّ، فإن القطيعة التامّة مع هذا المحيط، ولا سيّما في جانبه العربي، لم تحدث يوماً. 

ويكفي مثالاً على الرابط المستمر ــ وإنْ كان هشّاً في بعض الأوقات ــ الحضور الملحوظ للموسيقى العربية في تركيا، خصوصاً في ما عُرف منذ الستّينيات بموسيقى الأرابيسك، التي يُعَدّ زكي مورن ــ وهو إحدى أيقونات الغناء التركي خلال القرن الماضي ــ من أبرز ممثّليها في بلده، هو الذي لم يُخفِ يوماً تأثُّره بأيقونات عربية مثل أم كلثوم.

عن مشروع "كلمة"، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين"، للباحث التركي مراد أوزيلدريم، بترجمة كلٍّ من أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير.

ظهر الكتاب في الأصل التركي عام 2013، وفيه يرصد تاريخ التأثير والتأثّر الموسيقي المتبادل بين الثقافتين العربية والتركية، وذلك منذُ وقتٍ سابقٍ على قيام الإمبراطورية العثمانية.

في إضاءةٍ على محتوى الكتاب، تقول ملاك دينيز أوزدمير، خلال حديثٍ إلى "العربي الجديد": "إن عمل أوزيلدريم يسلّط الضوء على موضوعات مهمّة في تاريخ هذه العلاقة الموسيقية بين الثقافتين، من بينها: الإقبال الكبير على الأفلام المصرية الغنائية في دور السينما التركية في الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وتأثيرها على الموسيقى التركية، والدور الذي لعبه موسيقيون أتراك في البلاد العربية، مثل الشريف محيي الدين حيدر، ورفيق فرسان".

وفي سؤالٍ عمّا إذا كانت أطروحة المؤلّف حول وحدة الموسيقى في الثقافتين تشمل الموسيقى التركية الكلاسيكية أو فن الأرابيسك، تقول المترجمة: "إن الحديث في الكتاب يدور حول الموسيقى التركية الكلاسيكية في المقام الأول، لكنّ الباحث خصّص فصلاً أيضاً لموضوع موسيقى الأرابيسك، تناول فيه علاقتها بالموسيقى العربية". 

وتفصّل بالقول إنه "رغم أن الباحث يرى أن هناك تأثيراً للموسيقى العربية على الأرابيسك، إلا أنه يؤكّد على وجود تأثيرات أخرى غير العناصر العربية، وأن الأرابيسك هو إحدى بوّابات دخول الموسيقى العربية إلى تركيا".

وحدة الموسيقى

وعن الأسباب الفنّية والثقافية التي تقف وراء هذه الوحدة الموسيقية، تُشير أوزدمير إلى أن المؤلّف يستحضر استخدام العرب والأتراك المقامات الموسيقية نفسها، كما "كانت هناك علاقات قوية بين الموسيقيين العرب والأتراك لفترة طويلة، حتى أن الباحث يُثبت في الكتاب أنه رغم تغيُّر طبيعة العلاقات بين الأمّتين، بعد انهيار الدولة العثمانية، فإن الموسيقى وقفت في المنتصف كفرعٍ فنّي يجمع بين الأعمال التي يستمع إليها المجتمعان بالمشاعر نفسها. كما يركّز الباحث على الدور الذي لعبته التكايا الصوفية التي انتشرت في الأراضي العثمانية في توحيد الموسيقى العربية والتركية".

ورغم أن "العلاقات الموسيقية بين العرب والأتراك لم تنته بشكلٍ كامل، إلّا أنّها لم تعد اليوم كما كانت عليه في جيل عبد الوهاب وأم كلثوم"، تُضيف المترجمة. 

وعن سؤالٍ عمّا إذا كان جانب تركيّ من أصول عبد محمد عبد الوهاب (الذي سبق أن أشار في حوار مع الصحافي التركي مراد بردقجي، نُشر عام 1989، إلى أن أمّه من تركيا) قد لعب دوراً بأن يهتم شخصياً في بلد ناظم حكمت، تُجيب أوزدمير: "لا أتصوّر أنَّ أصول عبد الوهاب التركية قد لعبت دوراً من أجل يهتم بتركيا. من الممكن أن تكون قد عمَّقت علاقاته بموسيقيين أتراك مثل منير نور الدين سلجوق. لكنّ الاهتمام بعبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهما من المغنين العرب، بدأ بعد قرار حظر إذاعة الموسيقى التركية الكلاسيكية في الراديو عام 1934، وتوجّه الأتراك نحو الإذاعة المصرية، بحثاً عن موسيقى تشبههم، بدلاً من الموسيقى الغربية التي كانت تُذاع بشكلٍ كبير على الراديو خلال تلك المرحلة".

وتختتم ملاك دينيز أوزدمير حديثها إلى "العربي الجديد" بالقول إنّها تعتبر "وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين" واحداً "من أهمّ الترجمات التي أنجزتها مع المترجم المصري أحمد زكريا، نظراً لندرة المصادر العربية التي تتناول تاريخ العلاقات الموسيقية العربية التركية. لا أقصد أن هذا الكتاب هو الأهم على الإطلاق في هذا السياق، لكن نتمنّى أن يكون مدخلاً لهذه العلاقات التي استمرت لقرون".

من الأعمال التي نقلها زكريا وأوزدمير من التركية إلى العربية خلال السنوات القليلة الماضية، نذكر: "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" لـ أورهان كمال (المتوسّط، 2020)، و"أيام السلطان عبد الحميد الأخيرة" لناهد سري أوريك (الأهلية، 2021)، و"فندق القسطنطينية" لـ زولفو ليفانلي (الأهلية، 2022) و"الدنيا قِدرٌ كبيرٌ وأنا مِغرفة: رحلة مصر والعراق" لـ عزيز نيسين، الذي يصدر قريباً، بعد أن حصل على "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" (2022) ضمن فرع "الريبورتاج الرحلي المترجم - الرحلة الصحافية".

المساهمون