بين عاميْ 1510 و1515، أنهى يان جوسبارت رسم عمله الشهير "عشق الملوك" الذي يعيد تخيّل واقعة قدوم الحكماء المجوس الثلاثة من الشرق، كما يذكرهم العهد الجديد في الكتاب المقدس، وهم يقدّمون الهدايا احتفالاً بمولد المسيح، لتكتسب أهميتها الكبيرة في تاريخ الفن الكنسي.
مع نهاية العام الماضي، أتاح "الغاليري الوطني" في لندن لوحة الفنان الهولندي الفلمنكي (1478 – 1532) في عرض مصمّم للهواتف المحمولة يمكّن الزوّار من إعادة اكتشاف أحد أبرز الأعمال الفنية خلال القرن السادس عشر، حيث تعكس مناخات عصر النهضة في بلدان الشمال الأوروبي.
العرض الذي يتواصل حتى الثالث عشر من حزيران/ يونيو المقبل، يمثّل تجربة ابتكارية تسمح للمشاهد بتكبير تفاصيل اللوحة، والاستماع إلى ستّ قصائد يلقيها بلتاسر أحد المجوس الثلاثة الذي يظهر أسمر البشرة ويضع تاجاً على رأسه، والقصائد كتبتها الشاعرة النيجيرية البريطانية تيريسا لولا، في شكل جديد للتلقي يعتمد على الصورة والصوت والشعر والتفاعل مع اللوحة.
عند تكبير العمل الذي يضمّ ثلاثين شخصية، سيتعرّف الزائر إلى الطريقة التي استخدم جوسبارت ضربات الفرشاة الفردية والتقنيات التي استخدمها مثل الزجاج الملمع لإنشاء مثل هذه التفاصيل المعقدة، التي أنشأها في محاولة للفت انتباه وتركيز المشاهد إلى السيد المسيح؛ الطفل الذي يجلس في حضن أمه مريم العذراء، وسط مشهد من الأنقاض، في دلالة رمزية على فكرة الولادة والموت، والتجديد من رحم الخراب.
واستخدم الفنان في اللوحة فضاء ومنظوراً يمنحان إحساساً بأن العالم كله آت لمتابعة هذا المشهد، وكأن الجميع قادمون لرؤية لحظة من شأنها أن تغير العالم الذي يعيش تناقضاً واضطراباً كبيرين وقتها، مع تقديم الحكيم المجوسي كاسبار ورفاقه الهدايا للمسيح والعذراء، ويظهر في الخلف ستّة من الرعاة ومعهم حمار وبقرة، وكذلك يوسف النجار بلحيته الرمادية وهو يرتدي رداء أحمر فاتح اللون، كما يطير في الأجواء تسعة من الملائكة وعصفور يحوم في الأفق.
لا يزال الجدل دائراً بين مؤرخي الفن حول اللوحة التي لم يُحدد لماذا رسمها جوسبارت وبأمر من أي رجل دين، لكنها دخلت السجلات التاريخية منذ عام 1600 بعد شرائها من قبل ألبرت وإيزابيلا حاكمي هابسبورغ في هولندا، وتنتشر عدّة نسخ منها في عدد من المتاحف في المكسيك وبريطانيا وتشيكيا وألمانيا وروسيا.