حين تقرأ "المثنوي"، تجد جلال الدين الرومي ليس بعيداً عن هذا الزمان، حتى وإن شغلتْ إنسانه أمورٌ تبدو للوهلة الأولى أكثر تعقيداً من زمان الرومي الذي مرّ على وفاته 740 عاماً.
هل نحن حقاً بحاجة إلى قراءة "المثنوي" الآن وهنا؟ الحاجة إلى قراءة كتاب ما؛ تعني أن هناك أمراً ملحاًّ يستدعيه. يجلس الباحث الشاب خالد محمد عبده، يلتف حوله الحضور في مقهى التشكيليين في "دار الأوبرا" في القاهرة، وينتقي من قصص "المثنوي" حكاية "موسى والراعي". الحوار بينهم عن التصوف والحب وحرية الاعتقاد والعبور من باب مفتوح على التأويلات، تعرف أنه ولكل هذه الأمور ثمة حاجة إلى إعادة إحياء المثنويات.
ينفي عبده، الذي قدّم سابقاً ويقدّم قراءات "المثنوي" كل خميس في المكان نفسه، عن الفكر الصوفي صفة انعزاله. ربما يريد من عقد "دروس في حضرة مولانا" أن يورطه أكثر بنا ويورطنا بالتأمل فيه ومعه، ينزله من صورة الجالس على تلة بعيدة عن العالم، الفكر الصوفي ليس نائياً ولا انعزالياً، إنه مستغرق فقط.
وبينما يحاول الشباب أن يجعلوا من الرومي شخصية "افتراضية"، فيطلقون له صفحة على فيسبوك، أو يتبادلون مقولاته في حالات يتشاركونها، تبرز الحاجة عند عبده أكثر وأكثر إلى استعادة الرومي: "الدافع الأول لتنظيم الجلسات أن هناك أفكاراً مغلوطة مُتداولة عن الرومي والتصوف، في مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً، من دون تحقق من المصدر. وتعكس قراءة هامشية منتشرة دون فهم حقيقي لمعناها". ويضيف عبده: "ثمّة دافع آخر أيضاً، وهو جهل الكثيرين بتلك المنطقة من الفكر، فتأتي الجلسات لنستكشفها معاً ونطرح أفكارها للمناقشة والحوار من خلال قراءة نصوص المثنوي".
ينفي عبده، الذي يعدّ دراساته العليا الآن عن الشاعر الباكستاني محمد إقبال وعلاقته بعالم الرومي، عن نفسه صفة المتصوف؛ صفة قارئ للصوفية تناسبه أكثر: "لست متصوفاً، أنا عاشق للفكر الصوفي، بدأت التعرف إلى الكتابات الصوفية بعد التخرج من الجامعة، من خلال كتب الدكتور عبد الرحمن بدوي مثل رابعة العدوية، وشطحات الصوفية، الإنسان الكامل في الإسلام، وكتاب المستشرق آسين بلاسيوس عن ابن عربي".
وهو كذلك ليس من أتباع طريقة معينة "لا أحب الانتماءات، أرى أن الطرق الصوفية تغتال التصوف الإسلامي، لكني لا أخاصمها، فهي في الوقت نفسه درع وقاية للإسلام المتسامح في مواجهة التطرف". كان الرومي "لا يخاصم الطرق وليس طُرقياً"، يضيف عبده، ويشير إلى أن هذه الصفة هي التي تجعل المرء منفتحاً على جميع الديانات والثقافات: "التصوف الكوني يستوعب كل الأطياف في عباءته".
مدرسة الرومي هي "تكلّمْ من قلبك"، ألّا يكون هناك حد أو إلزام أو شكل محدد وإطارات للتعبير عن الذات العفوية "كن كما أنت"، الرومي ليس مخاصماً لأحد، كان لديه مريدون مسيحيون، وطالما أكد أن المقصد ليس الكلام وإنّما المعنى، "المهم هو قلب محترق يا عمي" يقول عبده.
وعلى كثرة مشاريع الترجمة، ليس لدى المؤسسات اهتمام بنقل الرومي إلى العربية، مثل كثير من الكتابات التراثية الموضوعة باللغة الفارسية، رغم أن مصر كانت أول من اعتنى بترجمة مؤلفاته، إذ نقل بعض مقاطع "المثنوي" إلى العربية عبد الوهاب عزام، ثم أكمل مشروعه تلميذه محمد عبد السلام كفافي، وقدم الجزأين الأول والثاني في السبعينيات. كما ترجمه كاملاً الباحث والمترجم إبراهيم الدسوقي شتا في ستة مجلدات، ولغاية الآن لم تُنقلْ "مقالات شمس تبريزي" إلى العربية.
للأسف، فإن أفضل من كتب عن الرومي هم المستشرقون، ومن الكتاب المعاصرين، لويس فرانكلين في كتابه "الرومي ماضياً وحاضراً.. شرقاً وغرباً"، إذ يبدو الاهتمام العربي بعيداً عن هذا المدار، وفق عبده الذي يؤكد "ليس ثمّة مَن كتب عن الرومي وهو ليس متأثراً بهؤلاء المستشرقين".