متاهة الكاتب الجزائري

18 سبتمبر 2014
حمزة بونوا/ الجزائر
+ الخط -

مع بداية كل خريف يعود المشهد الثقافي في الجزائر إلى الحديث عن دخول أدبي يتراوح بين حضور غير مكرّس وغياب غير مبرر، في وطن بات ـ بعد تقسيم السودان ـ أكبر دولة عربية وأفريقية من حيث المساحة. ويتوفر على أكثر من ثلاثمئة دار نشر عمومية وخاصة، تتلقّى دعماً مالياً مباشراً من الوزارة الوصية على الثقافة منذ عشر سنوات، في حدود ألف عنوان سنوياً، بالإضافة إلى مئات العناوين المدعومة في إطار التظاهرات الثقافية الكبرى، كانت آخرَها تظاهرة "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011"، في انتظار تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015".

رغم ما سبق، يخلو المشهد الأدبي الجزائري من جوائز أدبية ذات قيمة، ومن مجلات تعنى بالكتب والكتّاب، ومن شبكة توزيع تعمل على إيصال ما يُنشر إلى القارئ في المحافظات الثماني والأربعين، بل إن معظم الكتب المنشورة تبقى في حكم المخطوطة، لأنها لا تجد نافذة لتوزيعها خارج "الصالون الدولي للكتاب" الذي يُنظّم سنوياً نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ويراه الشاعر حمري بحري مجرد تظاهرة تجارية خالية من أي بعد ثقافي، ذلك أن الحظوة فيه تكون لمصلحة الكتاب الديني، والكتاب الاستهلاكي "ما يجعلنا بعيدين عن صناعة المجتمع العارف الذي يسعى بدون هوادة إلى خلق مجتمع المعرفة، بدلاً من مجتمع الاستهلاك الذي لا يصنع الأفكار والتصورات".

ويعتبر حمري أن الثقافة في الجزائر جزء من الثقافة العربية العاجزة اليوم عن مواكبة كل ما يجري من تحولات في مجتمعات المعرفة، حيث تتعدد الأصوات، وتكرّس الحريات؛ لأن الرجل السياسي، بحسبه، "معادٍ للثقافة وللمثقف منذ فجر الاستقلال".

من جهته، لا ينتظر القاص يوسف شنيتي شيئاً من ناشر يتلقّى دعماً كاملاً لمنشوراته من وزارة الثقافة التي لا تشترط عليه أن يحرص على توزيعها والانخراط في جملة من التقاليد التي تصبّ في لفت الانتباه إليها وإلى أصحابها. "إن معظم دور النشر عندنا ذات نزعة تجارية، ولا علاقة لها بالحس الثقافي، وعليه فمن غير المنتظر منها، أن تنظّم بيعاً بالتوقيع لإصداراتها الجديدة، أو تتعاقد مع موزعين لإيصالها حيث يجب أن تصل خارج المخازن". ويقترح صاحب مجموعة "حريق الذكريات" إنشاء وكالات خاصة لترويج الكتاب الأدبي وتسويق اسم الكاتب، وفق أساليب معاصرة تنخرط فيها جميع الأطراف المعنية بفعل النشر، من كتّاب وناشرين ووكالات توزيع ووزارة ثقافة ومركز وطني للكتاب.

الشاعر رمزي نايلي تهكّم على هذا الواقع، وقال إن الكاتب في الجزائر ظاهرة إعلامية، وليس ظاهرة قرائية، ذلك أن القارئ المؤهل لأن يتلقّى كتبه، يقرأ عنها في الصحافة فقط، لكنه لا يجدها في المكتبات إذا أراد أن يقرأها. ويتساءل صاحب ديوان "فاعل الحبر": "هل النشر فعل دائم على مدار السنة، أم أنه فعل موسمي مرتبط بالصالون الدولي للكتاب؟".

نقلنا هذا الهاجس إلى الناشر توفيق ومان، مدير دار "فيسيرا" للنشر والتوزيع، فقال إن للدخول الأدبي ضوابط وأصولاً، ليس الناشر وحده مسؤولاً عن توفيرها، بل هي شراكة بين منظومة وطنية كاملة، متسائلاً: "أنا شخصياً أوزّع منشوراتي في 25 محافظة على مدار العام، ولا أجني من ذلك حتى تكاليف الورق، فأين بقية الشركاء الذين يجعلون من عملية التوزيع ذات جدوى؟". قبل أن يضيف: "لا بد من فتح نقاش وطني يشمل جميع الأطراف المعنية، لدراسة سيكولوجية القراءة في البيئة الجزائرية أولاً، وبناء سياسة نشر مواكبة لها ثانياً، وخلق ما يجب أن يتوفر في المشهد من تقاليد، تمنح للدخول الأدبي معناه الحقيقي".

أما الروائي والشاعر محمد جعفر فيرى أن هذه التقاليد غائبة تماماً، وما يوجد منها يقوم على الارتجال والسطحية، ملاحظاً خلو المشهد من مجلات ثقافية متخصّصة تعمل على إضاءة التجارب الإبداعية الجزائرية: "من المؤسف أن نجد منابر تحتضننا في فرنسا أو في المشرق العربي، حسَب اللغة التي نكتب بها، ولا نجد منابر لنا في بلادنا، فما الذي يمنع من توفرها بما يكفي، بعد خمسين سنة من الاستقلال؟".

وأقرّ جعفر بأن الصالون الدولي للكتاب، باعتباره موعداً سنوياً يتيماً، لا يرقى إلى أن يدشّن دخولاً أدبياً يقوم على التنافس بين الإنتاجات الإبداعية، خاصة أنه غير مصحوب بجوائز ذات مصداقية وشهرة إعلامية، تلفت الانتباه إلى الحائزين عليها من الكتّاب، على غرار ما هو موجود في المشهد الفرنسي مثلاً "حيث يجد كتّابنا باللغة الفرنسية نافذة للمقروئية والانتشار".

نقلنا هذا الهاجس إلى الكاتب والناقد سليم بوفنداسة، المشرف على الملحق الأدبي "كرّاس الثقافة"، فأشار إلى التعسف في المقارنة بين بلد يُحترم فيه الأدب وأهله، بل يُعدّ الأدب فيه ثروة وطنية، وبلد لا يعرف الناس فيه أكبر الكتّاب، ويتوقف الاهتمام فيه بالأدب عند فئات محدودة جداً. ثم أضاف: "إن ما يسمى بالدخول الأدبي في الجزائر، مرتبط بالمعرض الدولي للكتاب، وهو مناسبة تجارية تباع فيها الكتب، وبعدها ينطلق صمت طويل يستمر سنة كاملة. ويكفي هنا أن نشير إلى رواية لأبرز كاتب جزائري على قيد الحياة، رواية "ربيع" لرشيد بوجدرة التي لم تلقَ أي اهتمام من الصحافة الجزائرية، لنعرف الوضع المأساوي للأدب الجزائري في الإعلام وفي غيره".

ويرى بوفنداسة أن الاهتمام بالأدب في الإعلام الجزائري متوقف على وجود كاتب، شاعر أو روائي، في صحيفة يتولى الأمر كنضال، وليس على سياسة تحريرية تضع الأدب والفنون ضمن اهتماماتها. وفي هذا السياق، يسجّل بوفنداسة غياب نقاد أدبيين أو صحافيين ثقافيين متخصصين في مجالاتهم. إذ توكل الأقسام الثقافية لصحافيين متدرّبين أو آخرين لم ينجحوا في الوصول إلى الأقسام الأخرى في الصحف. كما أن النقد يبدو غائباً تماماً.

المساهمون