بات العنف مصطلحاً/ ظاهرة تخترق المجتمعات ضارباً أمانها ومعتقداتها. العنف، ليس فقط في شكله العلني الذي تبثّه التلفزيونات ويسمى إرهاباً، بل كذلك في أشكاله السريّة والبعيدة عن المشهدية، وثمة علاقة خفية بين هذه الأشكال.
لعل القفز بين مستويات العنف هذه، هو من أبرز ما يمكن التقاطه في عمل "عنف" لـ فاضل الجعايبي الذي انطلقت عروضه في تونس مؤخراً في قاعة "الفن الرابع"، بعد أن عُرض لأول مرة في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي في إيطاليا.
من المخفر إلى المدرسة ومن الشارع إلى السجن، يتحرّك "العنف"، يلاحقه مؤدّو المسرحية أو يتعرّضون إليه أمام أعين المتفرّجين. جرائم قتل واغتصاب وتفجيرات هي المواد التي التقطتها كاتبة النص جليلة بكار. محقّقون، أطباء، مدرّسون وغيرهم هم صناّع العنف وضحاياه. خلطة تقف على خشبة اهتزّت لمرات عديدة بسبب ارتطام الممثلين على أرضيّتها وبجدرانها، أو من صراخهم وصراخ ضحاياهم.
يجسّد الممثلون الثمانية عدة أدوار ضمن المسرحية بأسمائهم الشخصية، أربعة منهم (أيمن ماجري ونسرين المولهي ومعين المومني وأحمد طه حمروني) يشاركون في أول عمل مسرحي لهم بعد تخرّجهم من "مدرسة الممثل" المشروع الذي أطلقه الجعايبي منذ سنة، فيما يؤدي بقية الأدوار لبنى مليكة وفاطمة بن سعيدان ونعمان حمدة وجليلة بكار.
لعل عرض يوم أمس الذي يأتي بعد يوم واحد من عمليات باريس، ويومين بعد عملية بيروت، والأخبار التي تصل من داخل تونس نفسها، استفاد من مناخات ما هو خارج القاعة، أي ما هو "عنف" منتشر في الخلفيات الذهنية للمتفرجين، خصوصاً وأن هيكلة الحبكة جعلت من الجريمة الإرهابية عنصراً جرى تأجيله إلى آخر العرض، حيث قدّمت المسرحية سلسلة حكايات عن "العنف" في الشارع والأسرة والسجن والمدرسة لتجعل من الراهن (الجريمة الإرهابية) كوكتيلاً نهائياً يقدّم آخر العرض.
يقول نعمان حمدة، في دور محقق مع أربعة شبّان قتلوا أستاذتهم ومثّلوا بجثّتها: "ألا تعرفون مقولة ألبير كامو: الإنسان يمتنع. لديكم عشرون عاماً من السجن على الأقل كي تفهموا ذلك". يمكن الصعود بهذا الخطاب إلى مستوى آخر، إلى مستوى مجتمعات بأسرها.
اقرأ أيضاً: لينا أبيض: مسرح مفاتيحه العنف والذاكرة والمرأة